كلمة الرئيس بارزاني هذه جاءت خلال مشاركة سيادته في إحتفال جماهيري أُقيم يوم الخميس 14-9-2017م، في مدينة زاخو تأييداً لإستفتاء إستقلال كوردستان.
في مستهلِّ كلمته، توجه الرئيس بارزاني بحديثه إلى جماهير زاخو، وقال: إنني لم آتي إلى هنا لأحثكم على التصويت لإستقلال كوردستان لأنكم لستم محتاجون لأي شخص ليملي عليكم ما تفعلون ولينصحكم بالتصويت في هذا الإستفتاء.
وبيّن الرئيس بارزاني في كلمته، بأنّ الموضوع الأهم الذي يتم طرحه اليوم هو الإستفتاء، وإنّ هذا القرار لم يتخذه شخص واحد ولا حزب واحد أو حتى عدة احزاب، وهو قرار عائد لشعب كوردستان، وإن الأحزاب التي إجتمعت في يوم السابع من حزيران 2017م، قررت بكل شجاعة وجرأة بأن تجرى عملية الإستفتاء في يوم الخامس والعشرين من شهر إيلول وأن يتوجه مواطنو كوردستان إلى صنادق الإقتراع ليقرروا مصيرهم.
وتطرق الرئيس بارزاني إلى الأسباب التي جعلت شعب كوردستان يتخذ هذا القرار بعد كافة المحاولات التي جربتها القيادة السياسية الكوردستانية مع بغداد حيث تجاوزت بغداد على الدستور وأجهزت على التوافق والشراكة والتوازن، وإفتعلت بدعة جديدة ألا وهي تطبيق حكم الأغلية السياسية، حيث طرحت عن طريق هذا النموذج الجديد العديد من الأمثلة السوداء، أهمها إلغاء إدراج البيشمركة ضمن المنظومة الدفاعية العراقية، حيث إنشغلت القيادة الكوردستانية بهذا الموضوع مع بغداد لمدة أكثر من عشرة أعوام من أجل إصدار قرار بخصوص قوات البيشمركة وحصتها من الميزانية والأسلحة، لكنهم شرعنوا قانونا للحشد الشعبي ومرَّروه خلال ساعتين ووضعوا تحت تصرف الحشد أسلحة وأموالا يمكن تقديرها بمليارات الدنانير.
وحول النموذج الثاني من الأمثلة التي تطرّق إليها الرئيس بارزاني، والتي حصلت في ظل هيمنة مفهوم الأغلبية السياسية على عقلية حكام بغداد قال سيادته: لقد إتخذ مجلس النواب العراقي يوم أمس 13-9-2017م قرارا ضد تطلعات شعب كوردستان، وأصدروا اليوم أيضا قرارا بإقالة محافظ كركوك من منصبه عقابا له على مواقفه القومية والوطنية، هذه هي الأغلبية السياسية التي يطالبون بها، ولو سنحت لهم الفرصة لن يسمحوا لنا بتحقيق أي من المكتسبات لشعب كوردستان، ولن يتوانوا عن إغتصاب كل ما نملك .
وأوضح سيادته بأن الإستفتاء هو وسيلة للوصول إلى غاية، ألا وهي الإستقلال، وسيقرر شعب كوردستان مصيره، ولن نبقى مرة أخرى تحت رحمة إتفاقيات سايكس بيكو والجزائر وحلف بغداد ولوزان، وعلى شعب كوردستان أن يقرر مصيره بنفسه.
وحول موقف القيادة السياسية الكوردستانية من الوضع في بغداد قال سيادته: منذ أعوام ونحن نصرخ ونقول بأن العراق يتوجه نحو الهاوية، وقلنا تعالوا لنتوافق على حل يرضي الجميع، ونحن من طرفنا بادرنا بالذهاب إلى بغداد بحسن نية بعد عام 2003م ومنذ ذلك الوقت لاحظنا بأن معاداة الكورد تزداد يوما بعد آخر، وكما كان النظام السابق يُبيد هذا الشعب إبادة جماعية ويرتكب بحقه حملات الأنفال، فقد جاء قرار قطع حصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة الإتحادية كعملية أنفال أخرى ضد شعب كوردستان.
وتحدث الرئيس بارزاني عن إجتماعه مع الممثل الخاص للرئيس الأمريكي والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق وسفيرَيّ الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق، وقال سيادته: قبل مجيئي إلى زاخو، إستقبلت وفدا رفيع المستوى مؤلفاً من الممثل الخاص للرئيس الامريكي والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق وسفيرَيَّ الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق، وبعد 3 – 4 ساعات من الإجتماع إستمعنا فيه لطروحاتهم وآرائهم، هم أكدوا بأنهم مع حقوق شعب كوردستان لكن تحفظاتهم تخص توقيت إجراء العملية خشية منهم أن تتسبب في ضياع التركيز على الحرب ضد الإرهاب، وستكون أيضا سببا في حدوث مشاكل أخرى، فسألتهم: وهل توجد مشاكل أكثر مما نعيشها الآن؟، فإن لم تقدِّموا لنا بديلاً أفضل من الإستفتاء ويرضي شعب كوردستان، لن نوافق على أي مقترح، إن لم يكن هنالك بديل أفضل سنجري الإستفتاء وليحصل ما يحصل.
وبيَّن سيادته بأنَّ المفاوضات والمباحثات ستستمر في الأيام القادمة وإنَّ مجلس الأمن الدولي أيضا دخل على خط المباحثات بشأن الإستفتاء، وإن الرد الموحد على هذا الموضوع هو إيجاد بديل يضمن حقوق ومصالح شعب كوردستان وتقبله القيادة السياسية الكوردستانية، وأما إذا كان هدفهم هو تأجيل الإستفتاء، فإنّ هذا المقترح غير مقبول لدينا بتاتا.
وقال سيادته: إذا كانت لدينا إرادة قوية، فينبغي أن نكون مستعدون للتضحية بأي شيء كان من أجل الإستقلال، وليس لدي أي شكك في هذا الأمر وأنا متأكد بأننا سنحقق إستقلالنا بأنفسنا ولا يمكن أن نتصور بأن الإستقلال سيُمنَح لنا من قبل هذا أو ذاك، ويجب أن نطالب بحقوقنا وعندما نطالب بالإستقلال يجب أن نكون مستعدين لأي ظرف كان.
وأشار الرئيس بارزاني إلى مسألة تكرار حديث مسؤولي بغداد حول وجوب إحترام الدستور في الوقت الحالي، وقال سيادته: إنّ المسؤولين في بغداد لم يتذكروا الدستور العراقي إلا في الوقت الحالي، وهو نفس الدستور الذي تم خرقه والتجاوز عليه من قبلهم شخصيا وهم الذين تناسوا هذه الوثيقة طوال السنوات الماضية، ولماذا يتذكروا الآن بأن ديباجة الدستور تؤكد بأنّ اللإلتزام بهذا الدستور یحفظ للعراق إتحاده الإختیاري، وأن من يتقن اللغة العربية جيدا ويستطيع بأن يتمعن بدقة في المعنى الحقيقي لهذه العبارة التي تقول (إتحاده الحر) أي أنّ هذا الإتحاد هو إحاد إختياري أكدنا عليه بعد أن ذهبنا برغبتنا إلى بغداد في عام 2003م بنوايا صافية، وأعطينا لبغداد فرصة أخرى للتعايش معاً في عراق جديد ديمقراطي وفدرالي، ولكن وللأسف فإنّ الذين إعتقدناهم حلفاءنا خذلونا، لقد خذلونا ولم يكن لديهم أي وفاء لتحالفنا وتوافقنا، واليوم يعيش العراق في ظل حكومة دينية طائفية ومذهبية، ولا وجود لحكومة ديمقراطية فدرالية، وهذا ما لا يمكن قبوله، وإن قبله الآخرون فنح لسنا مجبورون بقبول هذه الحكومة الطائفية وهذا الشكل من الحكم لأن إتحادنا إختياري، إننا ذهبنا بإختيارنا إلى بغداد وطلبنا الشراكة، وبما أنّ هذا الخيار الدسموقراطي لم ينجح، فلا يستطيع أحداً أن يفرض علينا أية صيغة لا نرضاها.
وأبدى الرئيس بارزاني أسفه من الخداع الذي مازال يتعرض له شعب كوردستان، بإسم الأخوّة والعيش المشترك في بلد واحد ووحدة العراق، لكنّ الجميع بات يعلم جيدا بأنّ أي منّا لم ينعم بأي هدوء أو راحة في الأعوام المئة المنصرمة، وقال سيادته: إنّ التاريخ لم يسجّل في القرن الماضي غير الحروب وسفك الدماء، فأيهما أفضل، أن نبحث عن حلول لهذه القضايا العالقة ونعيش في علاقة جيرة إيجابية كأخوة وأصدقاء أم أن نعيش في بلد واحد في ظل إستمرار الحروب والصراعات؟.
وأشار الرئيس بارزاني إلى أن العراق بات ينحو نحو خطوات أكثر سوءا وأكثر سوادا، وإن التصرفات التي تصرّفها مجلس النواب لم تبقِ أي مجال للتفاوض والحوار، هذه هي نتائج الإحتكام إلى عقلية الأغلبية السياسية التي يريدون تطبيقها ليحققوا ما يبتغونه ويفرضونه علينا بغطاء مقَونَن بإسم البرلمان، وإنّ هذا السلوك يخالف كل الاتفاقيات التي عقدناها مع حكومة بغداد منذ عام 2003م، وقد ثبتناها في الدستور ولسنا مجبرون على قبول كل هذه التصرفات اللادستورية .
وأوضح سيادته بأنّ محاولة التقليل من إحترام شعب كوردستان وإهانة هذا الشعب كان تصرفا متوقعاً ووارداً لكنّ هذه التصرفات كثرت اليوم وبلغة غير مقبولة، وقال سيادته: من العجيب حينما نطالب بحقوقنا نسمع منهم بأن هذه المطالب مخالفة للدستور، لكنّ الإبادة الجماعية والأنفال والقصف بالأسلحة الكيميائية وتدمير المدن والقرى وقطع أرزاق هذا الشعب لا يعتبر جريمة بحسب رأيهم، إننا نعلم جيدا بأن الوفاء هو من أفضل الخصال والصفات لأي إنسان لكن حكام بغداد الذين مازال زاد وماء كوردستان في بطونهم أثبتوا بأنهم لا يتحلوّن بهذه الصفات، وهم يتصرفون بعكس هذه الخصال، لذلك أقول لكم لا تكترثوا بهم ولا تصغوا إليهم لأننا لم نعد نثق بهم.
وأشار الرئيس بارزاني إلى ما جرى في برنامج تلفزيوني قال فيه مقدم البرنامج لضيف كوردي: "من أنتم وما هو تاريخكم"!؟: ولكن من أين أتيتم أنتم حتى تتطاولوا على شعب كوردستان، وقال سيادته أيضاً: رغم أنّ هذا الشخص لا قيمة له أصلا ولا يشكل حديثه أية قيمة لدينا، لكنّ هذه هي صفاتهم وهذه هي ثقافتهم، وإنّ الرد على هذا الشخص وعلى من هم على شاكلته، هو: منذ مئة عام وأنتم تحاولون القضاء علينا، أنتم الذين إرتكبتم بحقنا جرائم الأنفال وقصفتمونا بالأسلحة الكيمياوية، ونفذتم بحقنا جريمة الإبادة الجماعية، ودمرتم مدننا وقرانا، وعندما ضاقت بكم الظروف فتحنا لكم الأبواب وآويناكم وإحترمناكم، أنتم من قتلتم أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وذبحتموهم، هل كان شعب كوردستان هو الذي إرتكب هذه الجريمة بحقهم؟، هل هم من ذبح أحفاد الرسول؟، نحن شعب له قوات البيشمركة التي حطمت الأسطورة الزائفة لأخطر تنظيم إرهابي في العالم ووصلت شهرته للعالم أجمع، نحن أصحاب هؤلاء البشمركة البواسل، ونحن نعلم أيضا بأن الكثير من إخوتنا العرب من أصحاب الضمير هم ضد هذه الأفكار الشوفينية، لكن هذه الأفكار السلبية هي لمَن كانوا جياعا يوم أمس وشبعوا اليوم.
وشدد سيادته بأن الإستقلال لا يشكل تهديدا لأحد ولا يريد شعب كوردستان أن يتم سفك الدماء، لكنّ الذين يريدون الإعتداء على كوردستان ويمدوا يد العداء لها، فهذا ميدان الحرب وليأتي ويجرب حظه في القتال ضدنا.
وقال سيادته: إنّ أمامنا طريقان لا ثالث لهما، إما أن نقبل العبودية أو أن نحتكم إلى إرادة شعبنا ونخطو نحو الإستقلال، فالدماء التي ضحينا بها في هذا البلد والمآسي التي عاناها هذا الشعب، والتضحيات التي قدمتها قوات البيشمركة، تستحق منا أن نسير صوب الإستقلال، وأنا متأكد بأن أصحاب الغيرة والشجاعة لا يمكن أن يقبلوا بالعبودية .
وشدد سيادته أيضا بأن التهديدات التي يسمعها شعب كوردستان يوميا، ومحاولة إنكار حقوقه من قبل الآخرين لا يمكن أن تؤدي إلى زحزحة ثقافتنا الغنية بالإنسانية، وسنستمر في مد يد الأخوة والصداقة، ونحن مؤمنون تماما بلتآخي بين الكورد والعرب والتركمان والآشوريين والكلدان والسريان والأرمن، ولا يمكن القبول بتقليل إحترام أي عَلم أو رمز لأي طرف كان.
وأوضح الرئيس بارزاني بأنّ شعب كوردستان أثبت على مدى الأعوام الستة والعشرين التي مضت، بأن هذا الإقليم هو عامل رئيسي من عوامل توفير إستتباب الأمن والإستقرار وسنستمر وفق هذا المنوال السياسي.
وفي ختام كلمته، قال سيادته: لا تترددوا وتفقدوا الأمل بمستقبلنا أبدا لأنّ إرادتنا قوية، وأودُّ أن أختم كلمتي ببيت شعر للشاعر والعالم الكوردي العظيم ملا حزيري الذي قال:
لن نتراجع حتى لو طُعِننا بألفي خنجر وسهم ورمح ولن نعتمد إلا على أنفسنا حتى لو قُطِعَتْ رؤوسنا
|