إنتقد رئيس إقليم كوردستان تلك الدول والأطراف التي تطالب بتأجيل إستفتاء إستقلال كوردستان، وأكد بأنّ شعب كوردستان هو من يمنح الشرعية للإستفتاء وليست الأطراف الأخرى، وأوضح بأن شعب كوردستان كان يعتقد بأنه سيُكافأ على التضحيات التي قدمها والشهداء الذين ضحوا في بأرواحهم وقاموا بتحطيم الأسطورة الزائفة لإرهابيي داعش، بتأييد الإستفتاء، وتساءل: أين هي مبادئكم وشعاراتكم الداعية لإيمانكم بالحريات وحقوق الإنسان وديمقراطية الشعوب، وأنتم لا تعطون أي إعتبارا لرأي وتطلعات مواطني وشعب كوردستان .
كلمة الرئيس بارزاني هذه جاءت خلال مشاركة سيادته في إحتفال جماهيري أقيم يوم الجمعة 15/9/2017 في آميدي دعما لإستفتاء إستقلال كوردستان .
في هذه الكلمة أوضح الرئيس بارزاني الأسباب التي أدت بشعب كوردستان لإتخاذ قرار إجراء إستفتاء الإستقلال، وتطرق إلى تاريخ معاناة هذا الشعب من جور حكومات بغداد المتعاقبة والتعامل الذي لقيه شعب كوردستان من قبلهم والمآسي والكوارث التي تعرض لها هذا الشعب، وأوضح سيادته بأن ثقافة فرض الذات وإنكار الآخر كانت دوما معتمدة لدى حكام بغداد، وهذا ما أعاق إقامة شراكة حقيقية ودولة مدنية وديمقراطية وفدرالية، وقد فشلت كل المحاولات الهادفة لبناء هكذا دولة، وأكد سيادته بأن هذا الشعب جرب كل السبل مع بغداد، لكن بغداد خرقت الدستور والتوافق ولم يبق للشراكة أي معنى وقضت على مبدأ التوازن.
وبيّن سيادته بأن بغداد لا تقبل الشراكة مع كوردستان، وإن إقليم كوردستان وبعد كل التضحيات التي قدمها، لا يمكن أن يقبل بأن يبقى مواطنوه خدما لدى حكام بغداد .
وأوضح الرئيس بارزاني بأن الدستور يؤكد على أن قوات البيشمركة هم جزء من المنظومة الدفاعيه العراقية، لكن مجلس النواب العراقي طمس هذا الموضوع لمدة 10 أعوام، وأصبح مشروع هذا القانون يتنقل من يد الى يد طوال هذه الفترة، وقد كنا على وشك صياغة قانون يبيّن حقوق وواجبات قوات البيشمركة وميزانيتها وحصتها من الأسلحة، ولم ينفذ ذلك، ولكنهم إستطاعوا صياغة قانون الحشد الشعبي وتمريره خلال مدة ساعتين فقط. وقام الرئيس بارزاني بتذكر الجماهير بمرحلة صياغة الدستور العراقي، وقال: في عام 2005 بقيتُ في بغداد لمدة 53 يوما، وفي تلك الفترة تم قصف مقرنا بستة وثلاثين صاروخا، وإستشهد أحد أعضاء الحماية التابعة لي وجرح آخرون، لكننا بقينا نواصل العمل لصياغة هذا الدستور لكي نرتاح ويرتاح الآخرون، وإذا كنا قد رضينا بالمادة 140 من الدستور العراقي فإنّ ذلك لم يكن تشكيكا منا بكردستانية هذه المناطق، لكننا فتحنا طريق الحل الدستوري والقانوني لحل هذه المشكلة، ونحن أيضا نريد أن تُحل هذه المسالة عبر الدستور والقانون والإحترام المتبادل بين كافة الأطراف المتشاركة مع بعضها في هذه العملية، ولكنهم لم يلتزموا بهذا الموضوع لأنه كان من المفترَض أن يتم تنفيذ المادة 140 في عام 2007م، حيث تنصلت بغداد من هذا الموضوع وقالوا إن المادة 140 ماتت.
وبيّن الرئيس بارزاني بأن حكام بغداد لم يتذكروا الدستور إلا في هذه الأيام، وهم يرفضون إستفتاء الإستقلال المقرر إجراءه في الإقليم، ويؤكدون بأن هذه المسألة غير دستورية، في حين أنهم أول من إخترق الدستور العراق، فلماذا مثلاً لا يتحدثون عن هذه الفقرة الدستورية التي تقول: إن الإلتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق إتحاده الإختياري، وهم يتقنون اللغة العربية جيدا، فالدستور يقول إتحاده الحر، أي أن هنالك إتحاد إختياري مبني على أسس الأخوة والشراكة، لكنهم لم يقبلوا بهذا المبدأ، إذا فليفسحوا المجال لنبني بلدنا ونعيش معا في إطار علاقة حسن جيرة إيجابية وبصلات أساسها المحبة والأخوة والصداقة.
وأشار الرئيس بارزاني إلى أن مسلكية الأغلبية السياسية باتت اليوم طرحا يؤكد عليه حكام بغداد، وإنّ تطبيق هذه الأغلبية السياسية يلغي وجود قيمة البرلمان الإتحادي والعودة لبرلمان يحتوي على عدد من الشوفينيين وقد أثبتوا ذلك بعدم تمرير قانون للبيشمركة وحرمان هذه القوات من حقوقها، ولكنهم أصدروا قانون الحشد الشعبي ومرروه خلال ساعتين فقط، بالإضافة الى تصويتهم ضد عملية الإستفتاء والتصويت على إقالة محافظ كركوك، وقال سيادته: إنّ ردنا عليهم هو كالتالي: إنكم لن تستطيعوا أن تفرضوا قرارات هذا البرلمان الذي تتحكم به أغلبية سياسية على شعب كوردستان، وإن قراراتكم لن تصل إلى كوردستان ولن تنفذ فيها ولا تتعبوا أنفسكم.
وحول مطلب إنسحاب الإقليم إلى الخط الأخضر، قال الرئيس بارزاني: مَنْ الذي يقول بأن هذه المناطق هي حدود كوردستان الحقيقية، لسنا مستعدون أن نتناقش حول هذا الموضوع حتى لدقيقة واحدة، فلقد إستشهد العشرات من أبنائنا في هذه المنطقة في الحرب ضد إرهابيي داعش، وليس أمامنا إلا أن نختار بين أحد الطريقين: إما الإستقلال أو العبودية، لكننا لا نقبل ولن نقبل في يوم من الأيام أن نكون عبيدا .
ولم يخفِ الرئيس بارزاني بأن في خطوة الإستقلال ثمة مجازفة ولكن مجازفة الإنتظار هي أكبر وأخطر بكثير من مجازفة إتخاذ القرار، والمسألة تكمن في الإرادة وقد حان الوقت لكي تكون لدينا إرادة ذاتية قوية، وإن توفرت هذه الإرادة سنحقق الكثير من المكاسب العظيمة.
وفيما يتعلق بالموقف الدولي، قال الرئيس بارزاني: أنتم على علم بأن الإستفتاء أصبح موضوعا مهما في الإعلام العالمي، نحن لم ندّعي بأن هذه الدولة أو تلك وعدتنا بدعم وتأييد الإستفتاء وستمنحنا الإستقلال على طبق من فضة، وإذا إنتظرنا هذا الأمل وإنتظرنا أية دولة لتأتي وتقول لنا تفضلوا هذا هو إستقلالكم، فلن نرى أي بصيص من الأمل ليتحقق الإستقلال مهما حيينا، وإن جملة التضحيات التي قدمها شعب كوردستان تستحق أكثر من إستقلال وليست إستقلال واحد، ولكن في نفس الوقت لم يأتِ أحد ليقول نحن ضد إستقلال كوردستان، هم يقولون فقط إن الوقت غير مناسب، وأنا بدوري أسألهم متى سيحين الوقت المناسب، لكننا لا نتلقى أي رد منهم.
وحاول ما يشاع عن تأجيل الإستفتاء، أكد الرئيس بارزاني بأن هذه المسألة غير واردة، وقال: إنني أطلب منكم بأن لا تشغلوا أنفسكم بالتصريحات التلفزيونية وما يصدر عن هذا أو ذاك من تصاريح، وإننا حتى الآن لم نستلم أي بديل يحل محل الإستفتاء، فإنّ الإستفتاء يا أعزائي هو وسيلة للوصول الى الغاية، إذن فالإستفتاء ليس الهدف وهدفنا هو الإستقلال، ونقول لهم تفضلوا وقدموا لنا بديلا يحل محل الإستفتاء ويعجل عملية الإستقلال، لكن إن قالوا لنا أجلوا هذه العملية لمجرد التأجيل وسنحقق لكم هذا وذاك، نقول لهم: كثير من الوعود أطلقت لنا لكنها لم تنفذ لذلك لا مجال لتأجيل الاستفتاء. كما قال سيادته: لقد سمعت من بعض الأطراف بأن هنالك ثمة تردد وقلق في صفوف الجماهير، وبهذا الصدد أقول لكم بأن الإستفتاء يستمد شرعيته من المواطنين والجماهير، ولا أحد سيأتي ليمنحنا الشرعية من الخارج، ونسالهم : لنفرض بأننا أجلنا الإستفتاء وأنتم لم تقدموا لنا أي بديل، فأين تكمن مبادئكم وأين إدعاءاتكم بإحترام حقوق الانسان، أين شعاراتكم التي تنادون بها من أجل الديمقراطية؟، لقد كنا ننتظر منكم موقفا أفضل مقابل التضحيات التي قدمها بيشمركتنا وشهداؤنا في معارك تحطيم الأسطورة الزائفة لإرهابي داعش، إننا كنا ننتظر منكم بأن تقولوا لنا هذا حقكم الطبيعي، وإذا كنتم تقفون ضدنا وتعارضونا فإعلموا جيدا بأننا لا نولي أي إعتبار لآرائكم.
وطلب سيادته من الجماهير بأن لا يكترثوا بتصريحات وأحاديث هذا وذاك، وأن يعتمدوا على إرادتهم القوية، وقال: إننا سنتوجه نحو الصنادق لنقرر مصيرنا، وبإذن الله سنعمل على إراحة أرواح شهداءنا، وسنرد لهم ولو جزءا يسيرا من الدَّين الذي على عاتقنا لهم ولذويهم، ولن يتحقق كل ما ذكرته إلا عبر الإستقلال وإلا فستضيع رؤوسنا.
وشدد الرئيس بارزاني على ضرورة الحفاظ على ثقافة التسامح التي يتحلى بها شعب كوردستان، وأن لا تصبح التهديدات التي يتم إطلاقها من قبل أشخاص غير مسؤولين يصرحون بالتنكر لحقوق شعب كوردستان سببا في زعزعة هذه الثقافة، وقال: إنّ علينا أن نواصل مدّ يد الأخوة والصداقة، وأن نحافظ على روحية التآخي بين الكورد والعرب والتركمان والكلدان والآشوريين والسريان والأرمن، ولا يمكن القبول بتقليل إحترام أي عَلم أو رمز لأي طرف كان أو إهانته، لأن حرق الأعلام هي أفعال خاطئة ولا يمكن أن تشكل جزءا من الاخلاق العالية لشعب كوردستان، ولذلك فلا يمكن السماح بحدوث مثل هكذا ردود أفعال.
وأكد الرئيس بارزاني بأن قرار الإستفتاء كان قرارا شجاعا، ولم يكن قرارا اتخذه حزب أو حزبين، بل هو قرار شعب كوردستان، ومن لا يريد أن يشاركنا في نيل شرف إتخاذ هذا القرار فالأمر عائد له .
وتمنى الرئيس بارزاني بأن تنعم كوردستان في العام القادم بدولة فدرالية ديمقراطية، وأن يعيش الجميع فيها بمساواة وديمقراطية، كوردا وعربا وتركمانا ومسلمين ومسيحيين
|