Presidency of the Kurdistan Region of Iraq

نيجيرفان بارزاني: العراق بحاجة إلى هوية جامعة للكل

نيجيرفان بارزاني: العراق بحاجة إلى هوية جامعة للكل
2021-11-16T11:48:39.000000Z
مقالات

شارك فخامة نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، صباح اليوم الثلاثاء (16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021) في منتدى الأمن والسلام بالشرق الأوسط الذي نظمته الجامعة الأمريكية بكوردستان في دهوك.

وألقى فخامة رئيس إقليم كوردستان كلمة في المنتدى الذي حضره فخامة د. برهم صالح رئيس جمهورية العراق، السيدة ريواز فائق رئيسة برلمان كوردستان، السيد مسرور بارزاني رئيس وزراء إقليم كوردستان، وعدد من المسؤولين في إقليم كوردستان والعراق والضيوف الأجانب، وهذا نص الكلمة:

طاب صباحكم...

السيد رئيس جمهورية العراق الاتحادية

فخامة د. برهم صالح

الحضور الكرام،

طاب صباحكم،

وأهلاً بكم جميعاً..

من دواعي سروري أن يجمعنا في هذا الصباح هنا في هذا الملتقى موضوع مهم جداً وهو (السلام والأمن في الشرق الأوسط). أهلاً بكم جميعاً. في البدء أود أن أتقدم بالشكر الجزيل للجامعة الأمريكية بكوردستان في دهوك ومنظمي هذا الملتقى على اختيارهم هذا الموضوع راجياً لهم النجاح وتحقيق نتائج جيدة لهذا المؤتمر، وأعتقد أنه موضوع مهم جداً لنناقشه في إقليم كوردستان وفي أربيل وفي العراق.

كما يوافق اليوم، السادس عشر من نوفمبر، اليوم العالمي للتسامح. في هذه المناسبة آمل أن نتمكن جميعاً بالحكمة والعمل المشترك والجماعي، في المنطقة وكل العالم، من توسيع ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر وأن يتحقق في ظلها المزيد من الأمن والاستقرار للبشرية في العالم كله. السلام وحماية الأمن والاستقرار يأتيان في مقدمة الضرورات في حاضر ومستقبل المنطقة، الشرق الأوسط بصورة خاصة والعالم عموماً.

في هذه المرحلة الحساسة والانتقالية بالشرق الأوسط، يمثل الفوز بالسلام وحفظ الأمن والاستقرار تحدياً كبيراً جداً ومسؤولية مشتركة لكل هذه الدول والشعوب التي تعيش في المنطقة.

كيف نستطيع حماية السلم وكيف نكون من الفائزين؟

أيها السادة،

كتعريف وتفسير أوليين: السلام يعني غياب الحروب والقتال، غياب الإرهاب والعنف، أي وجود الوئام والتعايش، لكن للأمن معنى أوسع من غياب الحرب. الأمن يشمل كل نواحي الحياة. الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي، الأمن المائي، الأمن الطاقوي، الأمن الاجتماعي والأمن الحياتي. ويمكن لكثير من هذه المجالات أن يصبح سبباً للتفاهم والتعاون المشترك بين الدول، مثلاً في مجالي الماء والطاقة بين العراق وإيران وتركيا وسوريا. ما أريد الحديث عنه هنا هو الأمن بمعناه الأوسع. فربما حتى مع عدم وجود حرب، توجد مجموعة عوامل تتحول إلى تهديد وتسبب الخوف والقلق للناس. ولو أخذنا الوضع الحالي مثالاً، نجد على سبيل المثال فايرس كورونا ووباء كوفيد-19 وتداعياته في كل المجالات.

كل بلد يخرج من الحرب، يمر بثلاث مراحل:

الأولى: إنهاء الحرب وحفظ السلام.

الثانية: إعادة بناء الثقة، اذا اظهرت الأطراف حسن النية تجاه بعضها البعض.

الثالثة: اجتثاث أسباب الحرب وعدم العودة إلى حالة الحرب.

العراق الآن في مرحلة ما بعد الحرب وضمان الأمن، ولهذا فإن الخطوة الأولى تتمثل في إنهاء واجتثاث أسباب عدم الاستقرار، وحفظ السلام. نحن في العراق في المرحلة الأولى، بمعنى أننا خضنا حرباً غير مرغوب فيها ضد تنظيم داعش الإرهابي. لم يعد على الأرض شيء يعرف باسم الخلافة الإسلامية لداعش، لكن لا تزال على عواتقنا مهام كثيرة وأمامنا طريق طويل لترسيخ الأمن، وخاصة حل كل المشاكل التي مهدت لظهور وبروز داعش واستقوائه في هذه المنطقة. في هذه المرحلة، استطعنا وبمساعدة الأصدقاء في المجتمع الدولي، الانتصار على داعش عسكرياً.

انتصرنا، على المستوى المحلي بفضل قوات البيشمركة والقوات المسلحة العراقية، وعلى المستوى الإقليمي بمساعدة من دول الجوار، وعلى المستوى الدولي بمساعدة من التحالف الدولي. هذا النصر يحمل لنا رسالة، وهي أن تحقيق الأمن بحاجة إلى العمل المشترك وتعاون الجميع، وأننا جميعاً نكون مستفيدين من ترسيخ السلام ومنتصرين. وتوجه لنا أيضاً هذه الرسالة: عندما لا يكون مكون رئيس لبلد ما مشاركاً في السلطة وفي الإدارة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى خلق فوضى على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ويهدد أمننا جميعاً.

أيها السادة،

النظام الأمني، أو المنظومة الأمنية والاستقرار مترابطان في الشرق الأوسط متصلان ببعضهما البعض. وكتذكير، دعونا نورد هذا المثال: شهدت سوريا سلسلة تظاهرات لم يتم الالتفات إليها أول الأمر ولم تُحمل على محمل الجد، لكنها بعد أشهر أدت إلى زعزعة استقرار هذا البلد، وأدت بالنتيجة إلى حرب أهلية، لكن تلك الحرب أثرت تأثيراً مباشراً على العراق أيضاً. مناطق وسط وغرب العراق التي كانت تعاني من نقص في الخدمات، شكلت أرضية ملائمة لتسلل داعش إلى داخل الأراضي العراقية. استغل داعش الجفوة بين الشعب والحكومة وانزعاج وسخط الشعب ليحتل مساحة كبيرة من أرض العراق، الأمر الذي بات يشكل تهديداً لكل مكونات العراق. ثم بات تهديداً للدول المجاورة، وتهديداً لدول أوروبا ومجمل النظام الدولي.

لو أننا دققنا في الأمر سنجد أن عدم الاستقرار في سوريا يؤثر على الوضع الأمني التركي، وعدم الاستقرار في تركيا وتوقّف عملية السلام يؤثر على الوضع الأمني لإقليم كوردستان وأمن المنطقة. ولو ألقينا نظرة على أمن الشرق الأوسط، وركزنا على كل من اليمن، لبنان، سوريا، السودان، الجزائر، تونس وليبيا، ستتبين لنا بوضوح حقيقتان:

الأولى: التهديدات لم تأت من خارج الدولة. التهديدات ليست خارجية!

الثانية: الذي بات يشكل تهديداً لأمن كل واحدة من هذه الدول، ليس دولة أخرى، بل مكون أو طرف ضمن الدولة نفسها.

ولو نظرنا إلى إيران، العراق، سوريا وتركيا في سياق المسألة الكوردية، نجد مرة أخرى أنها مسألة داخلية في كل واحدة من هذه الدول. ويجب أن تعمل كل دولة باهتمام على إيجاد حل لها ضمن إطار حدودها.

أيها الحضور الكرام،

لا ينبغي أن يتم عزل الكورد في هذه الدول ، بل يجب أيجاد مكان لهم. وأن يتم إشراكهم ومشاركتهم حسب حجمهم، ويفسح أمامهم المجال للمشاركة والاشتراك في صنع القرار. الأمم الكوردية والفارسية والعربية والتركية كانت قائمة قبل ظهور الدول الحالية (التي تبلغ قرناً واحداً من العمر)، ويجمعهم تاريخ وجغرافيا مشتركان، ولا شك أن هذه الأمم ستبقى متجاورة. لهذا ليس أمامنا خيار غير قبول بعضنا البعض والتعايش معاً.

مهما طال أمد الحرب والقتال ولغة القوة، فلا بد في الأخير أن يبدأ الحوار والتفاوض. محاولة محو الآخر، مهما كانت شديدة ومهما طال أمدها، فعلينا في الأخير أن نقر ببعضنا البعض ونتذكر حقيقة أن أياً منا لم يقرر الرحيل من هنا، ولا أحد منا سينصهر. لهذا فإن التعايش ضمن إطار دولة واحدة في منطقة واحدة، على أساس المصالح المشتركة، هو الحل الوحيد المتاح لنا.

والآن وبينما للأمم الفارسية والتركية والعربية دول في هذه المنطقة، فإن من واجبها أن تمنح الكورد وغيرهم من المكونات حقوقهم في إطار دولهم. حقوقهم الثقافية وحقوقهم السياسية وحقوقهم الاجتماعية.

وبخصوص أوضاع العراق، فإننا الآن في لحظة ما بعد انتخابات الدورة الخامسة لمجلس النواب العراقي. هذه الانتخابات أجريت قبل موعدها بستة أشهر، وكانت انتخابات مبكرة، وكان ذلك مطلب تظاهرات العامين 2019 و2020. وهنا لا بد من وقفة والتمعن في عراق ما قبل داعش وعراق ما بعد داعش، وأن نطرح على أنفسنا السؤال الآتي:

هل تم القضاء على الأسباب التي أدت إلى ظهور داعش؟

الجواب بسيط جداً:

- كلا!

الانتخابات المبكرة كانت مطلب المتظاهرين! وهناك مطالب أخرى كتحسين الحالة المعيشية والخدمات وتوفير فرص العمل، القضاء على الفساد، البدء بالإصلاح وتأمين مشاركة فاعلة في الحكومة! كثير من هذه المطالب يجب أن يُستجاب لها. والآن هو وقت ملائم للالتفات الجاد إلى المطالب المشروعة للشعب، وهذا هو الضمان للأمن والحامي للسلام والاستقرار في بلدنا. على صعيد العراق، سيتحقق الأمن والاستقرار عندما تكون للمكونات كلها مشاركة واشتراك حقيقيان في صنع القرار. ويحافَظ على السلام عندما تعمل الحكومة الاتحادية بجد على تلبية مطالب مواطني العراق، وتعزيز سياسة الشراكة والمشاركة.

وكما ذكرت في البداية، فنحن في عراق ما بعد داعش وقد حققنا نصراً من الناحية العسكرية، لكن لا تزال أمامنا مرحلتان أخريان: مرحلة إعادة بناء الثقة، ومرحلة الانتعاش والخدمات. إعادة الثقة تأتي من خلال التنسيق والتعاون بين جميع مكونات العراق، خاصة المكونات الثلاثة الكورد والسنة والشيعة التي لديها جغرافيا سياسية، مع مراعاة حقوق ودور ومكانة كل المكونات الأخرى التي تعيش في العراق.

على سبيل المثال: الإدارة المشتركة لمناطق المادة 140 الدستورية بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية للحد من تنامي وإعادة داعش والمجاميع الإرهابية تنظيم أنفسها، ضرورة راهنة، وهذا يتحقق من خلال منح شيء واحد، منح الثقة ببعضنا البعض. على طرف أن يمنح الثقة أولاً. ونحن في إقليم كوردستان نطالب بهذا ومستعدون لهذه المبادرة من أجل إرساء الأمن والاستقرار. الخطوة التي تتبع هذا، هي تقديم الخدمات والاستجابة لمطالب أهالي تلك المناطق وإنعاشها وإعادة الحياة إليها. هذا يجب أن يكون أولوية عمل الكابينة القادمة للحكومة الاتحادية العراقية، يجب أن يُعاد النازحون إلى ديارهم وأن يُحفظ أمنهم واستقرارهم وحياتهم وكرامتهم.

باختصار، سيكون العراق آمناً ومستقراً ويتعايش العراقيون في سلام عندما تكون هناك هوية جامعة شاملة تقوم على أساس المواطنة والحقوق الدستورية لكل المكونات ولكل القوميات والأديان. تربط الجميع راغبين بالبلد وبجغرافياه ويكونون ملتزمين به ويشعرون بالانتماء إلى ما يُعرف بالعراق. والعراق يمتلك كل القدرات البشرية والمادية والطبيعية، وعندنا أسس دستورية تمثل خارطة طريق، لكن الأمر بحاجة فقط إلى الحكمة وإلى إرادة وقرار سياسيين لتحقيق هذا الهدف.

أيها السادة،

مَن الذي ينتصر ويكون الفائز في الشرق الأوسط؟ المنتصرون في هذه الأوضاع الحساسة للمنطقة والفائزون ثلاثة أصناف:

أولاً: سيفوز الذين لا يَدَعون حرباً غير مرغوب فيها تمسك بخناقهم، ويكونون مستجيبين دائماً لمطالب مواطنيهم.

ثانياً: سيفوز الذين يُنهون حرباً غير مرغوب فيها أمسكت بخناقهم. ويتخذون قرار التعايش والمصالحة والتسامح، ويقفون إلى جانب السلام والرفاهية والتقدم لبلدهم وشعبهم.

ثالثاً: سيفوز الذين خرجوا من حرب غير مرغوب فيها، ولا يسمحون لأنفسهم بالعودة مرة أخرى إلى حالة الحرب. ويريدون بناء المستقبل على أساس المصالح المشتركة ويؤمّنون الحياة الكريمة لمواطنيهم.

لنجتهد جميعاً في العراق والشرق الأوسط ونعمل على تحقيق هذا الفوز. فجميعنا في السلام فائزون، لأن السلام يصب في مصلحة كل الأطراف. السلام يحمي حاضر ومستقبل دول وشعوب المنطقة ويمهد للجميع المزيد من أرضيات التقدم.

وهنا، نؤكد من جديد على أننا في إقليم كوردستان العراق، سنكون دائماً عاملاً ومبادراً للسلام، وسنبقى سبباً وعاملاً رئيساً للاستقرار في هذه المنطقة. سواء في العراق أو في المنطقة، ومستعدون للعمل مع الأطراف كافة على تنفيذ مهمة تحقيق السلام، سلام شامل للجميع. ورغم كل الصعوبات والتحديات، لن نيأس وسنظل نتطلع بأمل من إقليم كوردستان إلى مستقبل أفضل للعراق والمنطقة والشرق الأوسط.

أكرر الترحيب بكم في هذا المؤتمر.

يوماً طيباً، وأشكركم جميعاً على مشاركتكم، وخاصة الضيوف القادمين من الخارج، أهلاً بهم جميعاً وعلى الرحب والسعة، وأشكر أخي العزيز السيد عمار على قدومه من بغداد فأهلاً به، وأرجو الخير والسعادة لكم جميعاً، شكراً جزيلاً.