Presidency of the Kurdistan Region of Iraq

نيجيرفان بارزاني: يجب أن تكون المرأة حرة

نيجيرفان بارزاني: يجب أن تكون المرأة حرة
2021-11-28T11:55:01.000000Z
مقالات

شارك فخامة نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، صباح اليوم الأحد (28 تشرين الثاني 2021) في مراسم افتتاح مؤتمر "المساواة الجندرية واستراتيجيات تعزيز مكانة المرأة في إقليم كوردستان العراق" الذي يعقد بالتشارك بين جامعات السليمانية، دهوك، أربيل وكوردستان، في مدينة أربيل.

وفي المؤتمر الذي يشارك فيه عدد مشهود من الضيوف الأجانب والمحليين والخبراء الأكاديميين، ألقى فخامته الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، وفيما يأتي نصها:

أيها الحضور الكرام

طاب نهاركم

أهلاً بكم جميعاً في هذا المؤتمر...

يسعدني أن نشارك معاً في مؤتمر "المساواة الجندرية واستراتيجيات تعزيز مكانة المرأة في إقليم كوردستان العراق" الذي هو جزء من الحملة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة.

أشد على أيدي جامعات السليمانية، دهوك، صلاح الدين وكوردستان على عملهم المشترك هذا الذي له أهمية من نوع خاص في إقليم كوردستان. التعاون بين أربع جامعات في موضوع كهذا، خطوة مهمة ومبعث سرور، وينبغي أن يتواصل التعاون والتشارك بين كل الجامعات في هذا المجال ويتنامى يوماً بعد يوم. آمل أن يتمخض هذا المؤتمر عن نتائج وتوصيات جيدة جداً وأن يُنتفع بها خدمة لمستقبل هذا العمل المهم الذي بدأ في إقليم كوردستان.

أود أن أرحب بجميع الضيوف الكرام الذين شرفونا بحضورهم وأرحب بهم بدون ذكر أسماء، وأرجو لهم وقتاً ممتعاً في أربيل.

أيها السادة،

الحديث عن المساواة بين الذكر والأنثى، الصبي والفتاة، والرجل والمرأة، هو في الأساس موضوع سياسي مرتبط بحقوق الفرد ضمن المجتمع. إن كانت الحقوق لكل الأفراد متماثلة، حينها لا يجوز أن يعمد جنس إلى تهميش الجنس الآخر، يغفل وجوده، يحرمه من المشاركة، أو يظلمه أو يمارس العنف ضده. هناك أسباب كثيرة جعلت المرأة تتعرض للظلم في مجتمعنا، ومنها: التزويج بالإكراه، القتل بذريعة الشرف، الاعتداء الجنسي، العنف ضمن نطاق الأسرة وخارج الأسرة، أو تهميش المرأة وإخضاعها.

جزء من هذه الأسباب ناجم عن التطبيق الخاطئ للأعراف والتقاليد. وعندما نقف بالضد من هذا، فإننا في نفس الوقت نخفف الظلم عن المرأة، ونمحو صفة قبيحة تعتري تراثنا. قسم آخر من الأسباب ناتج عن الفهم الخاطئ للدين. وحين نمنع ذلك فإننا إلى جانب حمايتنا للمرأة، نحمي الدين من الفهم الخاطئ. أما القسم الأكبر من الأسباب فناتج عن افتقار الفرد إلى الثقافة، لهذا عندما نربي الفرد على مبادئ المساواة والحرية، نحمي المرأة من العنف والظلم والاضطهاد. ما أقصده هو أن من الضروري ترسيخ هذا في أذهان أطفالنا من مرحلة الدراسة الابتدائية.

إن ما نعتقده يتمثل في الآتي: لا يجوز أن يحدد المجتمع قدرات المرأة، أو يتعامل مع المرأة بصورة تجعلها تابعة خاضعة. إن سعينا هو لكي نجعل من المجتمع مركزاً تنعم فيه المرأة، مثل الرجل، بحرية تنمية قدراتها، قدراتها التربوية، الفنية، السياسية، المهنية والاقتصادية. أي أن عملنا على مسألة المساواة بين الجنسين، هو رد سياسي على مجموعة هيكليات اجتماعية تهمش نصف المجتمع على أساس الاختلاف في الجنس.

وهنا حقيقة أود أن أشير اليها: كثيراً ما يجري الحديث عن المساواة بين الجنسين. وأود أن أبين فهمي للمساواة بين الرجل والمرأة من خلال هدف شامل: هدفنا هو بناء مجتمع يكون فيه الرجل والمرأة مستفيدين على حد سواء من الفرص المتاحة لهما. ينتفعان كبعضهما البعض من حقوقهما. يتمكنان مثل بعضهما من أداء واجباتهما. بصورة تتاح معها فرص متساوية للجنسين كليهما للمشاركة الاقتصادية، صنع القرار، ممارسة رغباتهما وتأمين احتياجاتهما.

أي أن الموضوع هو أكبر من المساواة في المشاركة. هذا الموضوع مرتبط بحقوق المرأة كفرد، ولا شك أن ترسيخ أي حق يحتاج إلى قانون وعمل مؤسساتي في إقليم كوردستان. لقد عملنا في إقليم كوردستان على مبدأي ترسيخ حق المرأة هذين، وذلك من خلال تعديل قانون الأحوال الشخصية ومن خلال تنظيم حقوق المرأة. لكن المساواة في حد ذاتها وسيلة، وتحرير الفرد وتحرير المرأة هو الهدف.

التحرير يأتي بمعنيين: التحرير من الظلم، والتحرير لأداء الواجب. إننا نعتقد أن هذين النوعين من الحرية هما في صالح المرأة. علينا أولاً أن نحرر المرأة من مجموعة عوامل تقيد قدراتها. وعندما نحقق ذلك تستطيع المرأة أن تتمتع بحرية اكتشاف قدراتها ضمن المجتمع.

أولاً: تحرير المرأة من اللامساواة هو واحد فقط من الخطوات. هناك مجموعة خطوات أخرى، كتحريرها من العنف (داخل الأسرة وضمن المجتمع)، وتحريرها من الافتقار إلى مصدر دخل ومن الفقر، وتحريرها من الظلم الاجتماعي والبطالة داخل المجتمع.

ثانياً: تحريرها في أداء الواجب. تكون المرأة حرة لأداء عمل ما عندما يتم تكليفها بواجب. تكون حرة عندما يجري التعامل معها كفاعل مؤثر في المجتمع، وتتهيأ لها الفرصة لتختار بإرادتها المجال الذي تستطيع فيه تقديم أكبر كم من الخدمات للمجتمع.

وإذا تحررت المرأة بهذا المعنى، تستطيع أن تكون جنباً إلى جنب الرجل صاحبة اقتصادها المستقل الخاص بها، إلى جانب أدائها مهمة الأمومة. تستطيع أن تكون طبيبة، مهندسة، معلمة، كاتبة، باحثة، ناقدة، سياسية، ناشطة، إعلامية، حرفية. بل تستطيع أيضاً أن تكون شرطية تحفظ السلم الاجتماعي، أو بيشمركة تحمي الأرض والوطن، وإن شاءت تصبح رئيسة ولا إشكال في هذا أيضاً. لهذا لا يجوز الفصل بين المرأة وقدراتها، لأنه بتهميشها، سيتضرر مجمل المجتمع. لا يجوز أن توضع المرأة في مواجهة نوع من الاختيار، أن تختار واحداً من خيارين وتتخلى عن الآخر.

على سبيل المثال: أن تخيّر بين البيت والعمل، وأن يعد أحدهما فقط حقاً لها! هذا ليس من الصواب، بل ينبغي أن تساعدها أجواء البيت على العمل خارج البيت. بنفس الصورة، يجب تنظيم عملها في الخارج بصورة لا تضر بواجباتها ومكانتها في البيت إذا قررت أن تصبح زوجة وتصبح أماً. هذا الاعتقاد عندنا ليس مجرد شعار، بل هو رؤيتنا الشاملة. رؤية شاملة تتألف من ثلاثة أبعاد: نقد، رؤية، وخريطة طريق.

نقد لاحتكار مجالات الحياة من جانب الرجال لوحدهم. هذا الاحتكار يجب أن يصحح لكي تشارك المرأة أيضاً في مجالات الحياة، يجب إنجاز كل شيء في هذا الاتجاه. رؤية، نحن نتصور مجتمعاً ثرياً بإبداعات الرجل والمرأة، بمشاركة وعمل الجنسين، لكي يكون الجنسان فيه أحراراً يزيدان من جماليات الحياة. خريطة طريق، لأننا قمنا في السنوات العشرين الأخيرة وبصورة عملية بالعمل بثلاث آليات للتقليل من تهميش المرأة في كل أبعاد الحياة:

أولاً: عن طريق تعديل القوانين وخاصة قانون الأحوال الشخصية العراقي، وبالتحديد قانوني العامين 1959 و1969، بهدف القضاء على العنف ضد المرأة.

ثانياً: من خلال مأسسة المساواة بين الجنسين، وخاصة من خلال إيجاد مكان للمرأة في المؤسسات الرسمية وتنظيم هذه المؤسسات بصورة تحمي دور ومكانة المرأة.

ثالثاً: عن طريق تشجيع المرأة على المشاركة السياسية، وبصورة خاصة من خلال رفع نسبة كوتا النساء في البرلمان من 25% إلى 30%، بهدف زيادة حضور المرأة في السلطة التشريعية وفي صنع القرار.

أيها السادة،

باختصار: تهدف أعمالنا لتعزيز ومساندة المرأة لتتمكن من تحقيق قدراتها. أجل، بإمكاننا القول: إننا استطعنا تقديم خدمة أساس لمسألة المساواة بين الرجل والمرأة، لكن العقبات لا تزال قائمة وهناك حاجة إلى السعي بجد لإزالة العقبات التي تعترض سبيل إقليم كوردستان في هذا الاتجاه. ولإزالتها تماماً، نحتاج إلى مساعدة الجنسين كليهما. وهذه المساعدة تكون مثمرة فقط عندما يتعامل الجنسان، كمكملين أحدهما للآخر، ويعترفان ببعضهما البعض ويكون بينهما احترام متبادل وتجمعهما قيم مشتركة.

في الحقيقة، قررت أمتنا وتراثنا وديننا، أن الجنسين، الذكر والأنثى مكملان لبعضهما البعض، ومعاونان أحدهما للآخر، ينتجان الحياة معاً، ولهما نفس القيمة، ولهما نفس الأهمية في صنع وبقاء واستمرار الحياة، هذه كلها لا تتعارض مع الدين ولا مع التراث، وكل منهما يسمح لنا بهذا. المهم هو أن لا يظلم هذان الجنسان بعضهما البعض. والأساس لإنهاء الظلم هو حماية الحقوق. لهذا يجب أن تكون للجنسين حقوق مثل بعضهما البعض، وأن يتم تكليفهما بالمهام على وجه المساواة، وأن تُحترم اختلافاتهما بصورة متماثلة، وتوفر لهما فرص متماثلة.

لهذا، وعندما تجمع بين الجنسين المحبة والاحترام المشتركان داخل وخارج الأسرة، وفي النطاق الخاص والمجال العام، ستكون الثمار نافعة لكل المجتمع، وسيكون الناتج مجتمعاً متقدماً وحراً وواعياً.

ودعونا نذكر أنفسنا بالآتي: الذي بات عقبة تواجه المرأة ليس الرجل وحده. فإن جاء الرجل ومارس الظلم، يجب كف يده وعدم السماح له. لكن في بعض الأحيان، يمكن أن يكون الذي يظلم المرأة امرأة أخرى، وهذه يجب أن تتم تربيتها. أو، يمكن أن تكون أخطاء تقليدية يجب اجتثاثها. ويمكن أن تكون قوانين تحتاج إلى تعديل، فيجب تعديلها. يمكن أن يكون بعضاً من الفهم الديني الذي يحتاج إلى تصويب. بل يمكن حتى أن يكون نظاماً سياسياً يحتاج إلى المزيد من الانفتاح على مشاركة المرأة.

يجب أن تكون المرأة حرة. أن تتحرر من العنف والقيود والاضطهاد، لكي يكون لها في المجال العام، جنباً إلى جنب الرجل، دور في تقدم مختلف المجالات.

وأود هنا أن أستذكر بتقدير سيدتين فاعلتين، المرحومة السيدة مهاباد قرداغي والسيدة نمام غفوري، اللتين قدمتا الكثير من الخدمات في هذا المجال، لكنهما للأسف رحلتا عنا جراء الإصابة بكورونا.

كما أود وبصورة خاصة أن أقول، إننا في هذه المناسبات والذكريات نستذكر دائماً بإكبار العالم المعروف المرحوم الأستاذ مصطفى زلمي، الذي تجشم الكثير من عناء السعي والجهد والعمل وخاصة في الجانب القانوني، وقدم خدمات جليلة لحماية حقوق المرأة والمساواة.

وأود أيضاً أن أتوجه بشكر خاص لعلماء الدين الذين قدموا حينها مساعدة كبيرة جداً لحكومة إقليم كوردستان في تعريف المجتمع بصورة أكبر على حقوق المرأة، آمل أن تستمروا، وأن تواصلوا إفهام المجتمع معاني المساواة، حقوق المرأة، العنف، وأن يكون هذا نهجكم اليومي بعون الله.

شكراً لكم جميعاً، لإنصاتكم، أرجو لكم يوماً طيباً ممتعاً، وأرجو أن يكون هذا المؤتمر جدياً وتحمل أعمالكم على محمل الجد. أرجو لكم النجاح ودمتم موفقين.

وأهلاً بكم جميعاً،

شكراً..