Presidency of the Kurdistan Region of Iraq

فخامة الرئيس نيجيرفان بارزاني: حل مشاكل العراق بحاجة لرؤية جديدة

فخامة الرئيس نيجيرفان بارزاني: حل مشاكل العراق بحاجة لرؤية جديدة
2021-09-25T12:14:05.000000Z
مقالات

بحضور فخامة نيجيرفان بارزاني رئيس ٳقليم كوردستان، والسادة سفراء وقناصل وممثلي الدول الأجنبية ومسؤولين إداريين في ٳقليم كوردستان وأساتذة جامعيين وشخصيات أكاديمية عقد صباح اليوم ۲٥/۹/۲۰۲۱ في أربيل مؤتمر (العراق.. مصير مٲساوي).

وألقى فخامة الرئيس نيجيرفان بارزاني كلمة حول الوضع السياسي ومشاكل العراق وحلولها هذا نصها:

أيها الحضور الكرام،

أسعد الله صباحكم،

أهلاً بكم جميعاً..

في البداية أود أن أشكر منظمي هذا المؤتمر وجهودهم، أرجو لهم النجاح ولتوصياتهم وتحقيق نتائج جيدة للمؤتمر.

ربما لن يكون ضرورياً أن أرجع إلى الظروف الشائكة التي شهدتها المئة سنة الماضية التي تشكل فيها العراق ودول المنطقة، بأشكال وطرق غير طبيعية، وبدون الأخذ بمطالب وحقوق شعب كوردستان. أترك هذا الموضوع للسادة الاختصاصيين والمشاركين في المؤتمر.

لا شك أن شعب كوردستان بكافة مكوناته، قد عانی الكثير خلال هذه السنوات المئة! للأسف وبعد مرور قرن، لا زال شعب كوردستان رهين تحقيق حقوقه. ومثلما كان يخاف في الماضي، لا زالت اليوم لديه مخاوف حيال الراهن والمستقبل!

العراق، يعني بلد المكونات. تشكل منذ نشأته من ثلاث ولايات، هي الموصل وبغداد والبصرة. هذه الولايات الثلاث كانت مختلفة عن بعضها بحكم مواقعها الجغرافية ومكونات ثقافتها.

الكورد في الشمال، والسنة في الوسط والشيعة في الجنوب. ومع هؤلاء هناك العديد من المكونات الدينية والعرقية في العراق. فالعراق بلد متعدد الأعراق والأديان.

من وجهة نظري، المشكلة الرئيسة للعراق كما في أي بلد متعدد الأعراق والمذاهب، تكمن في الصراع على السلطة. فهي ظاهرة طبيعية أن تكون للأطراف السياسية وجهات نظر وآراء مختلفة. ولكنها تصبح مشكلة عندما يريد طرف أن يفرض وجهة نظره على كافة الأطراف الأخرى، أو يلجأ لاستخدام القوة أو العقوبة لحسم المشاكل، كما يحصل في العراق دائماً.

أيها السادة..

منذ بداية تأسيس الدولة العراقية سنة 1921، كانت عقلية القوة هي الحاكمة ما أدى إلى جلب كل هذه الكوارث والمآسي على البلاد! لولا هذه العقلية، لكان العراق الغني جداً بالموارد الطبيعية، الغني بالثروة البشرية، الغني بالمكونات العرقية والدينية والثقافة المتعددة، ويملك موقعاً جغرافياً ستراتيجياً، إحدى الدول القوية في المنطقة!

منذ مئة عام يتم تكرار نفس الخطأ في العراق. لا تُستقى الدروس من التجارب المرة ومن الانتكاسات التي تتبع واحدتها الأخرى، ومن الحروب المتتابعة، ولا يتم الاتعاظ من دفع كل هذه الضرائب والدمار الذي حلّ على شعوب ومكونات العراق.

في الوقت الذي بإمكاننا أن نغدو دولة قوية ومتقدمة، لماذا نصبح واحدة من أسوئها؟! دولة مؤسساتها مشلولة، وتعدّ مدنها أخطر المدن للحياة، ولا زال مواطنوها يئنون تحت وطأة الحرمان من أبسط الخدمات!

يستحق الشعب العراقي حياة وحاضراً ومستقبلاً أفضل بكثير! حياة تداوي آلام وعذابات الماضي رويداً رويداً، ويخطو مفعماً بالأمل نحو المستقبل.

يمكن لهذا أن يتحقق بتبني نظرة واقعية وقراءة صحيحة وفهم ومنظور جديدين لحل مشاكل العراق. ولا يمكن تحقيقه بعقلية الأغلبية والأقلية، ولا بتشكيل الميليشيات، وبتعطيل المؤسسات، وبالتسلط المذهبي، وبتهديد الحروب الأهلية والفكر المتعصب الضيق!

المتنفذون في العراق لا يمكن أن يظلوا أسرى للماضي المر! ولكي يصبح العراق بلداً للجميع، ويغدو بلداً مستقراً وعامراً ومتقدماً، وان يصبح أملاً في الحياة لأجيال الحاضر والمستقبل، علينا أن نعترف جميعاً وبجرأة بأخطائنا في الماضي وننبذ رغبة فرض الذات وتكرار الماضي. الأمن والاستقرار في العراق، مرتبطان بأمن واستقرار المنطقة والعالم.

الأنموذج والتجربة المرة كانا بالأمس، وليسا ببعيدين! إذا لم يكن العراق مستقراً وآمناً، لن تكون المنطقة آمنة ومستقرة! وعندما لم يكن العراق آمناً ومستقراً ولد داعش! فإن لم يتغير شيء، ولم تحل مشاكل العراق فسوف تستمر نفس الأخطاء السياسية وتهميش المكونات، وتستمر نفس العقلية لفرض القوة وعدم اعتبار المقابل، سيولد غداً داعش آخر، وسوف تتكرر نفس القصة بشكل أسوأ. وحينذاك يتعرض أمن واستقرار المنطقة والعالم للخطر!

شفرة ومفتاح حل مشاكل العراق، هو حل مشاكل إقليم كوردستان مع بغداد. منذ مئة عام وبغداد لا ترغب في حل مشاكل شعب كوردستان، منذ مئة عام والعراق غير آمن وغير مستقر! منذ مئة عام تُنفق إمكانيات وثروات العراق كافة في شراء الأسلحة وفي الحروب التي لم تجلب على العراق سوى الخراب والفواجع المستمرة!

ما أريد أن أقوله هو: إن أمن واستقرار أربيل وبغداد مرتبطان ببعضهما البعض. أربيل وبغداد المستقرتان، يعني الأمان للعراق وللشرق الأوسط.

لذلك فإن على المجتمع الدولي أيضاً واجبات ويجب أن يساعد العراق في حل مشاكله.

أيها السادة..

كوردستان إقليم فدرالي دستوري في العراق الجديد. إقليم فدرالي، يعني أنه واحد من مكونات الدولة الاتحادية التي هي العراق. الفدرالية بالنسبة لنا في ٳقليم كوردستان لها معنيان: الأول، هو الاشتراك في مؤسسات الدولة، في السلطات المالية، العسكرية والسياسية. الثاني: هو تقسيم السلطة بحسب الجغرافيا. هذا أصل وأساس الفدرالية التي أثبتها الدستور في الواقع العراقي الجديد.

عندما نقول إن كوردستان أصبحت كإقليم فدرالي وبإرادتها جزءاً من العراق بعد سقوط النظام السابق، فهذا يوجب أن يكون شريكاً حقيقياً في الدولة الاتحادية. شريكاً حقيقياً في السلطة بجميع اشكالها التي أشرت إليها. هذا ضمان لاستقرار ووحدة العراق الجديد. اذن الحل الجذري للمشكلة الرئيسة في العراق، يتمثل في شراكة ومشاركة المكونات كافة في السلطة وصنع القرار.

أداء الواجب يقع على عاتق كل مكون عراقي، إلا أن الواجب الرئيس لجميع المكونات يتجسد في تثبيت الدستور والعمل به. نحن كإقليم كوردستان، ندعو الجميع لتطبيق وتثبيت الدستور والفدرالية. الحقوق والواجبات متساوية، وإذا منحت السلطات الفدرالية في بغداد، الحقوقَ الدستورية لإقليم كوردستان، فان إقليم كوردستان أيضاً سينفذ واجباته الدستورية بافضل صورة.

نحن، شعب كوردستان ومكونات العراق، قطعنا طريقاً طويلاً مع بعضنا البعض، وشهدنا العديد من حالات المد والجزر معاً، وتجاوزنا صعوبات جمة مع بعض، وفي الوقت عينه اتضح لنا جميعاً أن العراق لكل مكوناته، لذلك لا يتلاءم ولا ينجح أن يسعى مكون لأن يحكم العراق لوحده ويهمش المكونات الأخرى.

الأنظمة السابقة جربت هذه الطرق وفشلت، وشعوب العراق كافة هي التي دفعت ضريبة ذلك.

والآن وبعد كل هذه التجارب والماضي المر، فإن رسالة إقليم كوردستان في العراق الفدرالي، هي رسالة السلام والوئام والتعايش المشترك. ودعوة للقوى والأطراف العراقية كافة، لكي نتعظ جميعاً من دروس الماضي، وننظر إلى مشاكل البلد وحلولها وان نقوم بمعالجتها برؤية وفهم وفكر منفتح جديد مشترك! التجربة أثبتت ان الشعارات لوحدها لا تحل أي مشكلة! علينا أن ننظر إلى المشاكل بواقعية وقراءة صحيحة وحلها!

رسالتنا تتكون من جمع القوى كافة في عقد جديد ومرحلة جديدة للعراق، من أجل تقديم خدمات أكثر وتأمين حياة تليق بالمواطنين. من خلال مشروع حل يكون الجميع فيه رابحاً ويجلب معه السلم والاستقرار، يحتاج للجميع، وبالتأكيد لا يُستثنى أحد من هذه العملية.

في العراق الجديد، يجب ان يتوفر الاطمئنان والثقة! ومن أجل التوصل إلى الحلول، يجب على كل منا أن يخطو خطوة أكثر نحو الآخر. ان نعيد بناء الاطمئنان والثقة لتشعر المكونات كافة بالامن والسعادة، اغلبية واقلية، كورداً وعرباً، تركماناً وآشوريين وسرياناً وكلداناً وأرمناً، مسلمين ومسيحيين، شيعة وسنة، إيزديين وكاكائيين وصابئة وجميع الأديان والأعراق في العراق. الثقة، تعيد الامن والاستقرار.

أيها السادة...

وهكذا يكون بالنسبة للشرق الأوسط أيضاً. هناك الشعوب والقوميات والأديان والمذاهب والطوائف والآراء متنوعة في المنطقة، إلا ان جغرافيا وتاريخاً مشتركين يجمعان الكل مع بعضهم البعض. التاريخ الماضي متخم بالقمع، والتعذيب والرفض، والحرمان واستخدام القوة والعنف، وخلق ذلك عقدة مستعصية وشائكة من الضروري فكها! ولكن من الذي ربح في النتيجة! مئة سنة والحرب والفتن والمشاكل، أمسكت بخناق المنطقة ومجتمعات وشعوب المنطقة!

رفض وإنكار الجنسيات والهويات، سواء أكانت الهوية قومية، دينية، مذهبية، طائفية، عرقية أو أي هوية أخرى، يولّد السخط وردود الأفعال ويؤدي إلى الحروب والخراب. التغيرات العصرية، تطورات العالم المعاصر والمصالح، تثبت ان حل المشاكل لا يتم باتباع النظريات والطرق البالية.

علينا جميعاً في الشرق الأوسط أن نجد السبيل للتعايش المشترك، لقبول الآخر، التسامح والتشارك. أن نبني المصالح والنظام الاقتصادي والأمني المشترك الذي يكون الجميع فيها رابحاً وان يعيشوا معاً بالسلام.

التعايش السلمي، هو الأساس لمستقبل مشرق للشرق الأوسط، من المهم أن يكون التاريخ الماضي للاتعاظ واستقاء التجارب فحسب، وإلا سنظل نعيش في التاريخ! لتكن الإنسانية هي الجامع بيننا جميعاً هنا، في العراق، في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع.

في الختام، آمل عندما يتحدث السادة المختصون اليوم عن تاريخ العراق، أن يعيدوا إلى أذهاننا مجموعة من الدروس المفيدة وأن نستفيد منها للمستقبل. لمستقبل يكون للجميع ويثق فيه الجميع، ويكونون فيه مطمئنين وسعداء.

شكراً لكم، أرجو لكم أوقاتاً سعيدة.

شكرا لكم ولتحملكم وسعة صدركم، شكراً للجميع، شكراً لمنظمي هذا المؤتمر.