شارك فخامة السيد نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، صباح اليوم (الأحد، 1 كانون الأول 2024)، في مراسم الذكرى المئوية لميلاد العالم الكبير الكوردي والإسلامي، الأستاذ الدكتور مصطفى الزلمي، نظمت الفعالية من قِبل منظمة مصطفى الزلمي الثقافية، وأقيمت في قاعة الشهيد سعد عبدالله بمدينة أربيل.
وفي المراسم، التي شهدت حضور عدد من المسؤولين الحزبيين والحكوميين إلى جانب شخصيات اجتماعية وأكاديمية، وعلماء ورجال دين من داخل وخارج إقليم كوردستان، بالإضافة إلى ممثلي الأزهر الشريف وذوي الأستاذ الدكتور مصطفى الزلمي، ألقى فخامة الرئيس نيجيرفان بارزاني كلمة فيما يلي نصها:
الحضور الكرام،
صباح الخير،
مرحباً بكم جميعاً. أرحب ترحيباً خاصاً بضيوفنا الكرام من الأزهر الشريف، الذين شرفونا اليوم بمشاركتهم معنا في هذه المراسم، فأهلاً بهم وسهلاً. سعداء بمشاركتكم معنا في هذا الملتقى والاحتفاء بالذكرى المئوية لميلاد شخصية استثنائية، ميلاد العالم الكوردي والإسلامي الكبير، البروفيسور الدكتور مصطفى الزلمي. فأهلاً بالجميع ومرحباً.
لم يكن المرحوم الزلمي مجرد عالم ومفكر، بل كان رمزاً للإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي وفي القانون. هذا الرجل الذي عاش من أجل بناء مجتمع عادل وأكثر إنسانية، استطاع أن يجمع بين القيم الدينية الثابتة ومتطلبات العصر الحديث، وبذلك أنجز عملاً عظيماً.
كان الدكتور مصطفى الزلمي ذا رؤية إصلاحية شاملة مبنية على إيمان عميق بأن الدين الإسلامي ليس عائقاً أمام التقدم، بل هو قوة دافعة للتطور والتجديد. كان يؤمن بأن القوانين ليست جامدة، بل هي وسيلة لخدمة الإنسان، ولهذا يجب أن تتطور لتتلاءم مع تغير احتياجات الشعوب.
قدم الدكتور الزلمي قراءة جديدة ومستنيرة للنصوص الشرعية. فكان يؤكد على أن الاجتهاد لا يجب أن يتوقف، وأن الفهم السطحي للنصوص قد يكون عائقاً أمام تقدم المجتمعات. كان يعتقد أن الإسلام، كونه دين الرحمة والعدل، لا يقبل الظلم والتمييز بأي شكل من الأشكال.
الحضور الكرام،
كنت قد قرأت سابقاً مؤلفات وسيرة الأستاذ الزلمي. لذا كنت أعلم أن ما نريد تحقيقه لن يكون سهلاً دون تعاونه ودعمه. لذلك، وكما أشار الأستاذ محمد شريف، طلبت منه في أول لقاء جمعني به في 12 تموز 2007، البقاء في كوردستان.
كان وجوده ضرورياً جداً لإحداث تغيير كبير في قانون الأحوال الشخصية. فساهم بشكل فعال في تغيير المفاهيم الخاطئة بخصوص قضايا مثل ختان البنات، والطلاق، وقتل النساء، وتعدد الزوجات، وذلك من خلال حوار فكري وفقهي مثمر.
في نفس العام، بدأنا بإشراف مني وبرئاسة الدكتور الزلمي وعضوية 10 خبراء مختصين، بإعداد مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية. عملوا عليه لمدة تزيد على 8 أشهر ومهدوا له مع جميع الأطراف المعنية.
في النهاية، تم إعداد مشروع القانون بشكل متقدم يوافق نصوص القرآن الكريم، ثم تمت المصادقة عليه في مجلس الوزراء وبرلمان كوردستان. التغييرات كانت كبيرة، ولا شك أن ذلك لم يكن ليتحقق بدون فهم الأستاذ الزلمي العميق للقرآن الكريم والفقه. كذلك فقد لعب دوراً رئيساً في إقناع علماء الدين بأهمية هذه التغييرات ودعمها.
أحدث الأستاذ الزلمي حركة فكرية كبيرة على أساس فهم إنساني للإسلام، بعيداً عن التقاليد القديمة التي لم تكن لها علاقة بالدين بأي شكل من الأشكال. لذلك يظل المجتمع الكوردستاني مديناً دائماً لعطاءات هذا الأستاذ العلمية والفكرية.
كان يعمل دائماً بلا كلل مع رجال الدين والأكاديميين والمشرعين والسياسيين لتحقيق توازن بين القيم الإسلامية واحتياجات العصر. كانت مهمته صعبة، لكنه أنتج قانوناً حقق توازناً دقيقاً بين حماية القيم الثقافية والدينية وضمان العدالة والمساواة للجميع.
لم يكن هذا القانون مجرد نص قانوني، بل كان انعكاساً لفلسفة الدكتور الزلمي التي رفضت الظلم وعززت سيادة وكرامة الإنسان. فقد كان دائماً يؤكد على حرمة وكرامة الإنسان.
السيدات والسادة،
كان الدكتور الزلمي يعتقد أن تمكين المرأة ليس مجرد مسألة تتعلق بالحقوق، بل هو عامل رئيس في بناء مجتمع قوي ومستقر. لذلك كان من أوائل المدافعين عن قضية المرأة وحقوقها في إقليم كوردستان.
ساهم بشكل ملحوظ في إصدار قانون يعاقب جميع أشكال العنف ضد المرأة. إذ كان قانون مناهضة العنف الأسري الذي صدر عام 2011 نتيجة مباشرة لجهود الدكتور الزلمي الفكرية والقانونية.
كان يؤكد دائماً أن العنف ضد المرأة ليس مجرد مشكلة فردية، بل تهديد للمجتمع بصورة عامة. كان يؤمن بأن تحقيق العدالة للمرأة خطوة أساس باتجاه تحقيق مجتمع متوازن يسوده العدل.
كان الدكتور مصطفى الزلمي يدرك أن الإصلاح في مجال القانون لا يتحقق إلا من خلال الحوار العميق والتعاون بين مختلف الأطراف. كان يؤمن بأن الشريعة الإسلامية والقانون الحديث ليسا متعارضين، بل يمكنهما العمل معاً لتحقيق العدالة والمساواة، وبذل جهداً كبيراً في سبيل ذلك وأنجز مهمة عظيمة.
بُنيت فلسفته على أساس أن الدين مصدر للإلهام الأخلاقي والعدالة، في حين أن القانون يجب أن يكون أداة عملية لحماية حقوق الإنسان وتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع.
الحضور الكرام،
إن إرث الدكتور مصطفى الزلمي ليس مجرد كتب وقوانين، بل رسالة أمل للأجيال القادمة. لقد علَّمَنا أن الاجتهاد والعمل المستمر هما السبيل الوحيد لتحقيق التقدم. فأثبت أن العقبات ليست موانع، بل هي دوافع للإبداع والتجديد.
واجه الدكتور الزلمي عقبات كبيرة في حياته، لكنه كان مثالاً للشجاعة والإصرار والمثابرة. كان في بحوثه وصولاً إلى إصلاحاته في القانون، ملتزماً دائماً بخدمة العلم والمجتمع. لذلك فإن حياته مصدر إلهام لكل من يسعى لبناء مستقبل أفضل لشعبه.
وكما يقول في إحدى كتاباته: "العلم الحقيقي هو الذي يخدم الإنسان ويرفعه، وأي علم لا يحقق ذلك فهو علم ناقص".
ونحن في إقليم كوردستان ملتزمون بالاستمرار على الطريق الذي رسمه الدكتور الزلمي. سنواصل العمل من اجل تعزيز العدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان، وضمان أن يكون كوردستان موطناً للتسامح والتعايش.
سنستمر في العمل الجاد لضمان بقاء إرثه الفكري والقانوني حياً في مجتمعنا، وليكون مرشد لنا في بناء مجتمع مدني يحترم التعددية ويعزز القيم الإنسانية.
أيتها السيدات والسادة،
إن إرث الدكتور الزلمي تجاوز حدود كوردستان والعراق. إذ لم تكن رؤاه الفكرية وإصلاحاته محلية فحسب، بل أصبحت مصدر إلهام للعالم الإسلامي وللمجتمع الدولي. لهذا السبب تحديداً تم تكريمه من قبل شيخ الأزهر الشريف في عام 2013.
لم يكن الدكتور الزلمي مجرد رجل علم، بل كان حاملاً لرسالة إنسانية عظيمة. رسالة العدالة والتسامح التي نحتاج إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى، وقد أثبت أن العلم والعمل المستمر يمكن أن يكونا قوة للتغيير الحقيقي نحو الخير. اليوم، ونحن نقف هنا، لا نحيي ذكراه وإرثه وإنجازاته فحسب، بل إننا هنا لنجدد التزامنا بتطوير رسالته.
أشكر منظمي هذا اللقاء. شكراً جزيلاً على جهودهم وعملهم المخلص. الشكر والتقدير لكل من شارك في إحياء ذكرى هذا العالم الجليل.
أرحب بكم جميعاً.
الخلود لذكرى المرحوم البروفيسور الدكتور مصطفى الزلمي.
أشكركم جزيل الشكر،
آمل لكم يوماً سعيداً..