شارك فخامة رئيس إقليم كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني، صباح اليوم الأربعاء 15 آذار 2023، في ملتقى السليمانية الذي تنظمه سنوياً الجامعة الأمريكية في العراق – السليمانية.
وخلال الملتقى الذي حضره دولة رئيس وزراء العراق الاتحادي السيد محمد شياع السوداني، وعدد من كبار المسؤولين والشخصيات السياسية والأكاديمية والباحثين والصحفيين، ألقى فخامة رئيس إقليم كوردستان كلمة تناول فيها أوضاع العراق وإقليم كوردستان والتحديات والفرص التي أمامهما مؤكداً أهمية العمل المشترك ووحدة الصف والوئام وتطبيق الدستور.
وأدناه نص كلمة فخامة رئيس إقليم كوردستان في ملتقى السليمانية:
السادة الحضور..
دولة رئيس وزراء العراق..
السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي..
أسعدتم صباحاً،
أرحب بكم جميعاً، وأشكر الأخ الكريم د. برهم صالح ورئاسة الجامعة الأمريكية في العراق - السليمانية على مواصلة تنظيم ملتقى السليمانية السنوي.
في ذكرى جريمة القصف الكيمياوي لحلبجة، أنحني إجلالاً للأرواح الطاهرة للشهداء، فكلنا مدينون لتضحيات أبناء حلبجة. بذلنا على مدى سنوات الكثير من الجهد لتحويل حلبجة إلى محافظة، ليجري تعويضها وتقديم الخدمات لأبنائها.
باسم أهالي حلبجة وكل إقليم كوردستان، أتوجه بشكر خاص لأخي الكريم رئيس وزراء العراق الاتحادي محمد شياع السوداني الذي عمل بإخلاص بالغ على إكمال الإجراءات، كما أشكر كل الذين عملوا من قبل في إقليم كوردستان والعراق على تحويل حلبجة إلى المحافظة التاسعة عشرة في العراق.
وأدعو الحكومة الاتحادية إلى تخصيص ميزانية خاصة لإعادة إعمار حلبجة وتعويض ذوي الضحايا والمصابين. إن مساعي الحكومة الاتحادية ودولة رئيس الوزراء في الاهتمام بحلبجة وتعويض المتضررين فيها، خطوة دستورية تدعمها قرارات المحكمة الخاصة بجرائم النظام العراقي السابق. إنه إجراء دستوري وقانوني تماماً لصالح أهالي حلبجة.
أيها السادة الحضور..
إننا في إقليم كوردستان، ندعم حكومة وخطوات دولة رئيس وزراء العراق الاتحادي كل الدعم. فمنذ أن باشر مهام منصبه، وبناء على اتفاق ائتلاف إدارة الدولة لتشكيل الحكومة الذي اتخذه خارطة طريق، سعى لخلق أجواء سياسية آمنة في العراق، كما اهتم بكل مناطق ومكونات العراق ونأمل منه أن ينفذ هذا الاتفاق والقوانين.
الاتفاق الذي تم في إطار مشروع قانون الموازنة العامة، عمل جيد جداً لصالح كل العراق، وبضمنه إقليم كوردستان، وتستحق الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كوردستان الثناء عليه. نتطلع إلى استمرار هذا التوجه وإصدار قانون النفط والغاز بنفس روحية التعاون بين الجانبين.
مرت عشرون سنة على "عملية تحرير العراق" وهذا الملتقى هو فرصة مواتية لإجراء تقييم مهم يعود بالنفع على المستقبل. لكن من المهم جداً أن يجري هذا التقييم بعيداً عن تبادل الاتهامات بشأن الإخفاقات. لأن هذا أسلوب غير نافع، فنحن جميعاً مشتركون في الإخفاقات، كما أننا جميعاً مشتركون في النجاحات، سواء أكانت تلك الإخفاقات والنجاحات كثيرة أم قليلة.
السنوات العشرون الأخيرة، وبرغم كل النواقص، كانت مختلفة عن أيام الدكتاتورية. فعلى الأقل استخدم شعب العراق الحرية لإظهار حيويته في المنطقة. مرحلة المعارضة العراقية كانت ناجحة منذ مؤتمري لندن وصلاح الدين ثم تشكيل مجلس الحكم وكتابة الدستور. لكن بعد ذلك، بدأ الخروج عن الخط والأخطاء تتابع شيئاً فشيئاً، لتتحول إلى أزمات كبيرة، وذلك بسبب غياب الحوار البناء بين الأطراف وعدم تطبيق الدستور العراقي.
هدف العراقيين المتمثل في بناء عراق ديمقراطي تعددي مدني ومستقر، واجه فشلاً ذريعاً. لهذا تراجعت مشاركة الشعب في العملية الديمقراطية لدرجة كبيرة، ولهذا تأثير خطير للغاية على مستقبل العملية الديمقراطية، خاصة وأن العراق خسر في الماضي الملايين من الأشخاص والمليارات من الدولارات بسبب الدكتاتورية، وضاعت عشرات سنوات من أعمار أجياله في دوامة العنف والحروب.
المجتمع المدني والحقوق المدنية للشعب والنساء بصورة خاصة، لحقت بها أضرار كبرى. فخلق هذا من جديد، عقبة كبرى في طريق التقدم الاجتماعي وحياة عصرية في العراق، وألحق الضرر الجسيم بقدرات العراقيين على المبادرة والإبداع.
أجزم لكم بأن الحقوق المدنية لو تهيأت للعراقيين بالصورة المنتظرة ومثلما هي واردة في الدستور، لكان عندنا اليوم مجتمع مبدع للغاية، وكنا سنجد في العراق مجتمعاً سعيداً.
كثرة مراكز القرار واستخدام سلاح الدولة في الخلافات السياسية الداخلية، وتدمير ثقة المكونات بالمساواة والمشاركة في القرار وفي إدارة البلد، ألحق الكثير من الضرر بالعملية السياسية وبمؤسسات العراق.
الذين كتبوا الدستور، كانوا من مشارب فكرية متنوعة وينتمون لقوميات ومكونات العراق المتنوعة، لم يكتبوا في الدستور ولم يثبتوا كل ما كانوا يطالبون به، لكنهم جميعاً اعتقدوا أنهم كتبوا دستوراً جيداً يستطيع أن يجعل العراق وطناً للجميع، ويجعل منه عراقاً اتحادياً وديمقراطياً ومتقدماً.
من دواعي الأسف أن الدستور لم يطبق. ففي العام 2017 حددت لجنة متخصصة في إقليم كوردستان 57 مادة دستورية مرتبطة بالنظام الاتحادي وحقوق إقليم كوردستان، لم ينفذ أي منها حتى الآن! لهذا لا يشعر شعب إقليم كوردستان بأن النظام الاتحادي تم تطبيقه في العراق. فلو طبقت الفدرالية مثلما جاء في الدستور، لكان شعب إقليم كوردستان وكل العراق يشعر الآن بالمساواة وبالشراكة الحقيقية.
يوجد كثيرون يتهمون إقليم كوردستان بعدم تطبيق الدستور! ونحن وبعد مرور عشرين سنة، لا ندعي أننا في إقليم كوردستان نخلو من أخطاء. كلنا في العراق أخطأنا لكن علينا أن نعتبر من أخطاء الماضي. بذل الرئيس مسعود بارزاني والمرحوم الرئيس مام جلال طالباني الكثير من الجهود لكي يتم تطبيق الدستور.
ونبّه الرئيس بارزاني مرات عديدة إلى أن الدستور يتعرض للإهمال وأن هذا سيخرب العراق. قيادة إقليم كوردستان شعرت بمسؤولية كبيرة تجاه تطبيق الدستور، وفاء منها لكل مكونات العراق. والآن فإننا مستعدون لكل مسعى في سبيل وضع الدستور على المسار الصحيح. علينا جميعاً بعد عشرين سنة أن نتحمل المسؤولية المشتركة ونعثر على حلول وسط يجد فيها الجميع في هذا البلد أنفسهم منتصرين في العملية السياسية.
أيها السادة..
سيؤدي التغير المناخي بحلول العام 2050 إلى إجبار مليار ومئتي مليون شخص على الهجرة من ديارهم. وللأسف، فإن دراسات البنك الدولي والأمم المتحدة تضع العراق ضمن خمس دول ستكون الأكثر تأثراً.
هذه مسألة جدية وحيوية جداً، ويجب أن تزيد من المحادثات فيما بيننا في سبيل العثور على حلول. كما يجب أن نجري الكثير من المحادثات مع دول المنطقة، وخاصة تركيا وإيران، في سبيل التخفيف من أضرار هذا التغير وشحة المياه على العراق. المؤتمر الذي عقد الأسبوع الماضي في البصرة ومساندة الأمم المتحدة والدول الصديقة لبرامج وخطوات العراق هي مبعث ارتياح.
من الأخطار الأخرى التي تهدد العراق، الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للعائدات. فنتيجة للتغير المناخي والمساعي المتسارعة لاستبدال مصادر الطاقة وأسلوب الحياة في العالم، ستتعرض حياة شعب العراق مستقبلاً لخطر كبير جداً. خاصة وأن تعداد سكانه سيرتفع كثيراً، وزيادة الجزء المخصص للنفقات التشغيلية في الموازنة، أثقلت كاهل الحكومة بدرجة كبيرة.
العراق بحاجة إلى خطة استراتيجية ومشاريع كثيرة ومتنوعة. يجب إنفاق أموال طائلة على المشاريع الاستراتيجية لكي يبقى البلد آمناً للعيش فيه. أما إنفاق العائدات على صرف الرواتب والتي يذهب الجزء الأكبر منها للخارج لتأمين الاحتياجات، فهو أمر يزيد من الأخطار.
أيها الحضور الكرام..
العراق يتمتع بثراء بشري وطبيعي كبير. ويمكن استغلال هذا بأفضل الطرق ليصبح واحداً من الدول المتقدمة ويحتل المحل والمكانة التي يستحقها في المنطقة وفي العالم. فيصبح لاعباً بارزاً له دور مؤثر في إرساء الأمان والاستقرار والسلام، ويتحول إلى مركز مرموق في المنطقة.
من أجل عراق كهذا الذي نطمح إليه، يجب أن يعمل العراقيون بكل مكوناتهم معاً، ويتحملوا المسؤولية المشتركة، وأن يجمعنا كلنا هدف وأجندة جامعة وطنية عراقية تحمي المصالح العليا للبلد.
كل المكونات، من أي قومية أو دين أو مذهب كانوا، يجب أن يشعروا بأن العراق وطنهم. علينا أن نعمل جميعنا معاً، لتنجح أجندة العراق في العراق. وأن تكون إرادة وقرار وسيادة العراق والعراقيين محفوظة.
في ظل الأوضاع الراهنة السياسية والأمنية والاقتصادية التي تسود المنطقة والعالم، فإن العراق وبضمنه إقليم كوردستان، يواجه تحديات وفرصاً كبرى. الآن، آن الأوان لإجراء حوار صريح وشجاع. هو وقت يجب علينا جميعنا في العراق أن ننظر معاً إلى المستقبل من خلال رؤية مشتركة.
فمن خلال العمل الجماعي والتلاحم ووحدة الصف، ومن خلال التعاون والمسؤولية المشتركة، يمكننا أن نتجاوز كل الصعوبات والتحديات. وأن نستغل الفرص للحاضر ولبناء مستقبل أفضل وبلد أقوى ومتقدم.
وفي إقليم كوردستان، علينا أن نحل الخلافات بروحية وحدة الصف والتلاحم والتعاضد، وفي هذا السياق فإن جهود وخطوات الأطراف السياسية الرامية لإزالة العقبات التي تعترض طريق الانتخابات، تبعث على الارتياح.
ونحن في رئاسة إقليم كوردستان سنواصل عملنا وجهودنا في سبيل تجاوز المشاكل والخلافات. وسنعمل معاً على تحديد موعد للانتخابات، وإجراء العملية في وقتها.
أرحب بكم جميعاً مرة أخرى من السليمانية
شكراً جزيلاً