بحضور السيد نيجرفان بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، جرت مساء اليوم، الأربعاء ٣١ تموز ٢٠١٩، في بارزان مراسم لإحياء الذكرى ٣٦ لأنفلة البارزانيين.
وخلال المراسم التي حضرها السادة مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، ريواز فائق، رئيسة برلمان كوردستان، د. بشير حداد، نائب رئيس مجلس النواب العراقي، وعدد من وزراء حكومة إقليم كوردستان والنواب العراقيين وبرلمانيي كوردستان، والقناصل والدبلوماسيين وممثلي الدول الأجنبية في إقليم كوردستان وممثلي الأطراف السياسية الكوردستانية، ألقى السيد رئيس إقليم كوردستان كلمة، فيما يأتي نصها:
أيها الحضور الكريم،
الكوردستانيون الأحبة،
ذوو المؤنفلين البارزانيين،
أبناء منطقة بارزان...
طاب نهاركم، وأهلاً بكم جميعاً... أشكر لكم جميعاً ج\حضوركم اليوم هنا والتجمع تكريماً للذكرى السنوية السادسة والثلاثين لأنفلة البارزانيين.
أرحب بالقناصل وممثلي الدول الأجنبية في إقليم كوردستان، أهلاً بكم، وأرحب بالقوى السياسية الكوردستانية الذين شرفونا بحضورهم اليوم هنا، فأهلاً بهم، أهلاً بالبرلمانيين، رئيسة البرلمان، رئيس مجلس الوزراء، وكل السادة الحاضرين هنا.
أيها السادة...
إن إحياء ذكرى جريمة الإبادة الجماعية وأنفلة البارزانيين هذا العام، أشد حزناً وأثراً من الأعوام الأخرى، فمنذ أيام قليلات تطلعت أنظارنا مرة أخرى صوب صحارى العراق. تطلعت إلى قرية (شيخ البادية) القريبة من (نُقرة سلمان)، حيث تم العثور على رفات أكثر من 75 كوردياً مؤلفاً كلهم نساء وأطفال. المشاهد تهز القلوب والوجدان. تم العثور على طفل صغير في حضن أمه وقد تم رميهما بالرصاص، وهو متشبث بصدر أمه. كما تم العثور على رفات سيدة أخرى وإلى جانبها خمسة أطفال وقد تعرضوا جميعاً للرمي بالرصاص.
إننا نحن ذوو ضحايا الأنفال والإبادة الجماعية، من كرميان وصولاً إلى بهدينان، نحن أبناء كوردستان، اهتزت دواخلنا ومشاعرنا من جديد بهذه المشاهد. مرة أخرى تراءت لنا مشاهد رمي 182 ألف شخص بريء ومدني من أبناء كوردستان بالرصاص ووأدهم في تلك الصحارى، والذين استشهدوا بصورة جماعية فقط لأنهم كورد ووطنيون.
تم إلى الآن إعادة رفات 2672 شهيداً فقط من أصل 182 ألف مؤنفل إلى كوردستان. ومن بين ثمانية آلاف بارزاني، تمت إعادة رفات 596 شهيداً إلى بارزان ودفنوا هنا في أرض كوردستان المقدسة. إن العثور على أي مقبرة جماعية، والعثور على أي رفات وإعادتها، يضع كل شعب كوردستان في حالة حداد، فطريقة اعتقال وأنفلة واستشهاد أبناء كوردستان قل نظيرها في التاريخ العالمي المعاصر.
أيها الحضور الكريم،
نحن اليوم نحيي الذكرى السادسة والثلاثين للإبادة الجماعية وأنفلة ثمانية آلاف بارزاني. ففي 31 تموز من العام 1983، اعتبر النظام العراقي كل رجل أو يافع بارزاني بلغ الثانية عشرة من العمر، متهماً وألقي القبض عليهم. بعد مرور شهر على ذلك التاريخ تم رميهم جميعاً بالرصاص في صحارى محافظة المثنى ودفنوا في قبور جماعية.
تم إلقاء القبض على هؤلاء البارزانيين في المجمعات القسرية في قوشتبة، بحركة، حرير وديانا. وكانت قرى منطقة بارزان قد تعرضت في العام 1978 للتدمير، وجرى إسكان 2925 عائلة بارزانية في تلك المجمعات القسرية، ثم تمت أنفلتهم جميعاً وبصورة جماعية.
بعد عملية الأنفلة تلك، زادت صعوبة ومشقة حياة نساء وأطفال البارزانيين، حيث تحملت النساء البارزانيات الشامخات كل أعباء إعالة العوائل، وربين أطفالهن في ظروف مأساوية سيئة للغاية.
اضطر العديد من الأطفال البارزانيين، إلى ترك الدراسة، بسبب الخوف وتدهور حياتهم العائلية. اضطربت حياة العوائل بشدة بسبب تعرض أرباب العوائل للأنفلة. وعاش كل النساء والرجال، الذين نجوا من حملة الأنفلة تلك، في خوف مستمر وترقب دائم لأنفلتهم في يوم ما. واستمر هذا الوضع المؤلم الذي حل بشعب كوردستان وبالبارزانيين المليء في ظل سلطة النظام العراقي حتى انتفاضة 1991.
لكن الأمهات البارزانيات واجهن مصاعب الحياة والأقدار برؤوس مرفوعة وبتحد وإرادة فولاذية ، فأصبحن آباء لأولادهن من جهة يكسبن لهم لقمة العيش بكدهن وعملهن، ومن جهة أخرى ربين أولادهن بروح كوردية عالية، واليوم نجد بين أولئك الأطفال شباباً موهوبين مؤهلين يقدمون خدماتهم لكوردستان ولشعبهم. أقبل أيادي الأمهات العزيزات واحدة فواحدة، وأشكرهن، فنحن إلى الأبد مدينون لأولئك الأمهات الرحيمات الحبيبات، سواء هنا في بارزان أو في كرميان. الصامدة.
وهنا، إذ نتحدث عن حياة تلك العوائل البارزانية، يجب وكما في كل مرة، أن أشيد بكرم أبناء أربيل وأطرافها، الذين ساعدوا قدر المستطاع وبصورة سرية العوائل البارزانية. حقاً لقد أبدَت أربيل الحبيبة جودَها كما هي دائماً. كما فعلت فيما بعد عندما أظهرت كرمها للمهجرين من بهدينان والكورد الشبك المرحّلين. شكراً جزيلاً لأبناء أربيل الأحبة، فقد كنتم عوناً كبيراً في إفشال كامل مخططات النظام الرامية للإبادة الجماعية للبارزانيين. شكراً لأهالي حرير وباطاس وديانا وسوران، الذين أعانوا البارزانيين قدر استطاعتهم.
كانت أنفلة البارزانيين إبادةً جماعية بكل المعايير. لهذا، وبعد سقوط نظام البعث، أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا، في 11 أيار 2011، قرارها باعتبار أنفلة البارزانيين إبادة جماعية.
أيها السادة...
لقد جرى هدمُ بارزان وقرى المنطقة وحرقها عدة مرات. فللمرة الأولى في الشرق الأوسط، تم في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي قصف بارزان بقنابل النابالم والقنابل الموقوتة، وذلك لأنها باتت عرين الانتفاضة والثورة، تلك الحركة النابعة من إيمان راسخ.
إن لبارزان مكانة عرفانية وتقاليد إنسانية رفيعة. وللبارزانيين تاريخ ثوري عريق. عقيدة بارزان، عقيدة متجذرة وأهدافها إنسانية جداً. فقد وجد كل بارزاني، بموجب تلك العقيدة، نفسه مسؤولاً أمام الله، ولهذا اعتبر نفسه مكلفاً بواجب تجاه كل مخلوقات الله.
اعتبر البارزانيون أنفسهم مسؤولين عن حماية، والدفاع عن، حقوق وحياة كل الناس من مختلف الأديان. ونتيجة لهذه العقيدة، اتخذوا من وضع قوانين لحماية الطيور والأحياء والبيئة واجباً لهم. كانت حماية حقوق النساء والأطفال واحدة من خصائص العائلة في بارزان. كما أدت حماية حقوق المزارعين في منطقة بارزان، إلى إلغاء النظام الإقطاعي في المنطقة، وهذا أيضاً كان نتيجة لهذه العقيدة التي كان مصدراً لهذا.
كان البارزانيون يعتقدون أن العدالة لن تتحقق في ظل العبودية والظلم، لذا ولغرض تحقيق العدالة، ثاروا على الظلم. وفي غاية الفقر، ناضلوا بإيمان قوي في سبيل حريتهم وحرية المحيطين بهم وقومهم.
في بارزان، كان المسجد والدير والكنيسة متجاورين، كانت العدالة بين المسلمين والمسيحيين واليهود في مستوى عالٍ، لدرجة كان معها المسيحيون واليهود في المناطق المحيطة يلوذون بشيوخ بارزان لحمايتهم واستعادة حقوقهم من الآخرين.
نمت عقيدة بارزان باستمرار في ظل التقاليد الإنسانية وأحدثت تغييراً اجتماعياً كبيراً. ثم انتقلت تلك العقيدة بصورة واسعة وعلنية إلى إشعال ثورة وبدء النضال القومي، خاصة في عهد الشيخ عبدالسلام الثاني.
جمع الشيخ عبدالسلام بارزاني، علماء وكبار رجالات كوردستان على الحقوق الوطنية والقومية الكوردية ونظمهم. وأبلغ مطالب شعب كوردستان بصورة كتابية في مجموعة نقاط للإمبراطورية العثمانية والقوى العظمى في تلك الأيام. لهذا يعتبر الشيخ عبدالسلام بارزاني مؤسس أول إعلان ونهج للحركة التحررية الوطنية الكوردستانية.
بعد إعدام الشيخ عبدالسلام بارزاني في العام 1914، استمر نمو العقيدة البارزانية على يد الشيخ أحمد بارزاني (خوداني بارزان) في المجالات الثلاثة الدينية والاجتماعية والثورية نمواً مشهوداً.
تقدم البارزانيون أكثر من الناحية الروحية، ونشروا مبادئ حماية البيئة والأحياء والطيور أكثر، وعززوا تلك العقيدة، فبعد انتشار الأسلحة والأعتدة، أصدر خودان بارزان الكثير من التوجيهات الجديدة والدقيقة لحماية البيئة والأحياء والطيور من الإنسان. حتى بلغت توجيهات خودان بارزان حد تشجيع البارزانيين على عدم استخدام ما يزيد عن حاجتهم من الماء، حتى وإن كانوا على نهر كبير جداً، وعدم هدر الماء.
كما كان حضرة الشيخ أحمد يمرّن الناس على التحمل وعدم الخنوع لأي ظالم أو مستبد. فعندما عاد، بعد إسقاط جمهورية كوردستان الديمقراطية في مهاباد، مع عوائلهم وعدد كبير من البارزانيين إلى العراق، ورغم أنه انتظر ثلاث سنوات تنفيذ حكم الإعدام وقضى تسع سنوات من الحكم بالسجن المؤبد، ورغم المطالبات الكثيرة له، لم يكن مستعداً لكتابة خطاب للملك يطلب منه العفو، بل بقي في السجن حتى نال الحرية عند إسقاط النظام الملكي وقيام الجمهورية.
بفضل وحدتهم، والتزامهم بالعقيدة والعمل مع بعضهم البعض، كان لبارزان وللبارزانيين دور ومكانة كبيران في تاريخ نضال شعب كوردستان. إنهم يحافظون على وحدتهم، لكي يكونوا قوة مؤثرة لتحقيق حقوق شعب كوردستان والعدالة، لأن البارزانيين تربّوا على هذا ولا يرون أن أقل من ذلك يليق بتاريخهم.
كانت عقيدة وتراث بارزان، طريقاً لإرضاء الله عن البشر، والبشر عن البشر، ولهذا فإن أي بارزاني ذي عقيدة حقيقية، كان يتطلع إلى قبول الله ومن يحيطون به من خلال تصرفاته، وليس من خلال فرض نفسه عليهم، لهذا ولمّا لم تقبل بارزان بأي شكل فرض النفس والظلم، كانت دائماً في ثورة من أجل العدالة والحرية.
أيها الكوردستانيون الأحبة،
إننا إذ نكرم اليوم ذكرى المؤنفلين البارزانيين، فإننا في الوقت نفسه نكرم مؤنفلي كرميان، وبهدينان، وشهداء القصف الكيمياوي لحلبجة وباليسان وسيوسينان، وتغييب الكورد الفيليين، والقتول الجماعية في سنجار.
تحية وشكراً لكل الأمهات العطوفات الكريمات اللواتي تحملن بعد حملات الأنفال من كرميان حتى بارزان وبهدينان، مشاق إعالة وتربية وتنشئة أولادهن، أنهن جميعاً يحملن نفس الآلام والمعاناة وهن رموز للظلم الكبير الذي تعرض له شعب كوردستان، في كثير من الأحيان عند إحياء ذكرى الأنفال، هنا في بارزان، وجدت أمهات وأبناء كرميان، وفي كرميان وجدت أمهات وأبناء بارزان، إنهم يحملون ويتشاركون نفس المشاعر ونفس الآلام والهموم، تحية لهن وأقبل أياديهن.
وفي ذكرى أنفلة البارزانيين، نؤكد على أنه بموجب الدستور العراقي، وقرارات المحكمة الجنائية العراقية العليا، وعمليات المسح التي أجرتها حكومة إقليم كوردستان فيما مضى، على الحكومة الاتحادية العراقية أن تعوّض ذوي المؤنفلين والمتضررين في كوردستان.
نكرر من هنا، مرة أخرى، توجيه مطلبنا هذا إلى الحكومة العراقية كي تلتزم بتلك القرارات وتعوض المتضررين والمؤنفلين في كوردستان.
مرة أخرى، أرحب بكم أيها السادة، ونتوجه بآلاف التحايا إلى الأرواح الطاهرة لشهداء الإبادة الجماعية للبارزانيين والمؤنفلين في كرميان، وبهدينان، وشهداء حلبجة، وسنجار وكل كوردستان.
أهلاً بكم..
شكراً جزيلاً.