شارك فخامة السيد نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، قبل ظهر اليوم، الأحد (22 أيار 2022)، في مراسم تخرج دورتين عسكريتين في الكلية العسكرية الثالثة في قلاجوالان.
وخلال المراسم التي شارك فيها عدد من كبار المسؤولين الحكوميين والحزبيين والعسكريين، ألقى السيد نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، هذا نصها:
أيها الحضور الكرام،
أيها البيشمركة الأبطال،
أيها السادة الآمرون والمعلمون والمدربون العسكريون،
ذوو الخريجين الأعزاء..
كما أرحب بأخي المحترم والعزيز كاك بافل رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني..
طاب نهاركم ومرحباً بكم جميعاً. يسعدني أن أشارك اليوم في مراسم تخرج أحب أبناء كوردستان، ألا وهم البيشمركة الأبطال.
بدايةً، أود أن أشد على أيدي جميع المعلمين والمدربين العسكريين للدورتين (16) الأساس و(6) لتطوير الضباط. فقد توليتم مهامكم مع الدورة الأساس سنتين وثلاثة أشهر، ودورة تطوير الضباط تسعة أشهر. إن جهودكم موضع مباركة ومحل تقدير كبير.
أشد على أيدي عميد ومنتسبي الكلية العسكرية الثالثة في قلاجوالان، الذين تجشموا الكثير خلال هذه الفترة لتأمين جميع لوازم إنجاح هاتين الدورتين.
دور الكلية العسكرية الثالثة في تطوير البيشمركة والقوة العسكرية العراقية، دور مشهود ومحل تقدير ومباركة. وهنا، لا بدّ أن أقول: إن كلية قلاجوالان العسكرية هي تذكار مهم من الرئيس مام جلال، فلتسعد روحه وطابت ذكراه للأبد.
أهنئ كل الضباط والخريجين الـ(503) فرداً فرداً، الذين شاركوا من كل محافظات ومناطق إقليم كوردستان والمناطق المتنازع عليها. وأتوجه بتهنئة خاصة إلى الفتيات اللواتي شاركن في هذه الدورة ويسعين وقد أقسمن أن يكنّ دائماً على أهبة الاستعداد للدفاع عن أرض ومكاسب هذا البلد جنباً إلى جنب شبابه. أهنئهن تهنئة خاصة وأرجو أن يزيد أمثالهن في كوردستان. أنا على ثقة أنكم جميعاً تعلمتم الكثير في الجانبين النظري والعملي، وبإمكانكم أن تمدوا قوات البيشمركة بدماء وبقوة جديدتين.
أبارك لأمهات وآباء وذوي الخريجين. ونشكرهم لتقديمهم أبناءهم لقوات بيشمركة كوردستان. أبارك تعاون وزارة شؤون البيشمركة ووزارة الدفاع في الحكومة الاتحادية العراقية، لتعاونهما المستمر مع الكلية العسكرية.
يا شعب كوردستان والعراق..
أبارك لكم، أنكم تشهدون هنا اليوم تخرج هذه الكوكبة من البيشمركة، فهؤلاء سيصبحون سنداً رئيساً لحماية سيادة العراق. فحماية سيادة العراق تصب في مصلحة كل مواطن وكل بقعة في العراق.
حماية العراق تهمنا كثيراً. كذلك يجب أن تكون حماية إقليم كوردستان كجزء من الدولة العراقية، موضع اهتمام عند كل عراقي وعند كل مؤسسات الدولة العراقية، ويُنظر إليها كواجب مشترك. إن قوة العراق وكون مصالح شعب العراق محمية، تساهم في تقوية كل مناطق العراق، بما فيها إقليم كوردستان.
والنظام الفدرالي، إنما هو لتسهيل إدارة الشؤون الداخلية للبلد وتحقيق المساواة بين مكونات ومناطق العراق. الفدرالية لا تُضعف سيادة العراق، بل تقوي شراكتنا في دولة العراق. وقد كُتب الدستور العراقي في حينه من منطلق هذا الشعور والفهم، ولهذا فإننا نطالب دائماً بالتعامل مع بعضنا البعض وفقاً لنصوص وروح الدستور. فنحن نعتقد أن الأمور إذا جرت على هذا النحو فسنكون جميعاً منتصرين في العملية السياسية بالعراق.
عندما تكون حدود وسلطات وقرارات العراق محصنة ضد التدخل الخارجي، يصب ذلك في مصلحة كل العراق. وعندما تكون أقاليم ومحافظات ومناطق العراق كلها محفوظة، فإن ذلك يخدم مصلحة جميع العراقيين. هذه هي رؤيتنا نحن في إقليم كوردستان، وتجري تربية البيشمركة على هذا الشعور والاعتقاد.
ولهذا نقول بفخر: بعد إسقاط النظام في العام 2003، ظل أمن عدد من المناطق ببغداد وبرلمان العراق محفوظاً بفضل كون مهمة حماية هذه المواقع مسندة إلى قوات بيشمركة كوردستان. وبشهادة الجميع، أدى البيشمركة مهمتهم بصورة غاية في المهنية ولا زالوا يتولون مهامهم في بعض تلك المناطق.
في حرب داعش أيضاً، كان البيشمركة شريكاً وسنداً قوياً للجيش وكل القوات المسلحة العراقية. في حماية محافظتي كركوك وديالى، وفي تحرير بشير والموصل ومناطق أخرى كثيرة من العراق. لهذا فإنني أدعو من هنا كل عراقي إلى أن يقف ضد الهجمات التي تشنها الفصائل المنتهكة للقانون من داخل العراق على إقليم كوردستان وعلى العاصمة أربيل.
هذه الفصائل، بتصرفاتها تلك، تمهد السبيل لاستمرار التعقيدات والتوترات في العراق. هؤلاء يريدون الإبقاء على أرضية تتيح انتهاك سيادة العراق. الأمن في كل مدن ومناطق إقليم كوردستان والعراق عموماً، أمن أربيل والنجف، السليمانية والبصرة، دهوك والأنبار هو واحد ومترابط بعضه ببعض. سيادتنا جميعاً في العراق مشتركة، وكذلك مصالحنا وانتصاراتنا وهزائمنا أيضاً مشتركة.
كذلك أريد في هذه المراسم، أن أدعو السادة القائد العام للقوات المسلحة العراقية، ووزير الدفاع، ورئيس أركان الجيش العراقي، إلى التعامل مع البيشمركة كجزء من المنظومة الدفاعية للعراق مثلما ورد في الدستور، ويؤمّنوا احتياجات البيشمركة.
كذلك من الضروري جداً التعجيل في مباشرة اللواءين المشتركين مهامهما المقررة، لنحول بذلك دون استعادة داعش لقواه في المناطق المتنازع عليها. فمن المؤسف أن أهالي القرى ومناطق المادة 140 الدستورية، والبيشمركة، والجيش، والحشد الشعبي في تلك المناطق، يتعرضون بصورة يومية إلى هجمات إرهابيي داعش.
ونتيجة ازدياد هجمات وعمليات داعش في تلك المناطق، بات تطبيع أوضاع سنجار وكركوك ومخمور وخانقين وجلولاء والمناطق الأخرى ضرورياً أكثر من أي وقت مضى، للاستقرار في العراق وفي إقليم كوردستان. علينا أن نتعاون جميعاً لمنع استعادة داعش لقوته وأن لا نسمح بالإخلال بالتعاون الذي تحقق في حرب داعش بين كل مكونات العراق.
العمليات المشتركة الأخيرة بين قوات البيشمركة والجيش العراقي ضد داعش، كانت عملاً ناحجاً للغاية، لكن هذا لا يكفي ويحتاج إلى عمل مشترك ومتواصل. ومباشرة اللواءين المشتركين للبيشمركة والجيش مهامهما، ستكون خطوة جيدة في هذا السياق.
أبناء كوردستان الأحبة..
تم حتى الآن ضم قوتي الإسناد الأولى والثانية و22 لواء من وحدات 70 و80 إلى وزارة شؤون البيشمركة. وهذه خطوة مهمة وموضع تقدير ويستحق الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني والتحالف المباركة عليها. لكن إعادة تنظيم البيشمركة وتوحيدهم بحاجة إلى عمل وخطوات واثقة وأسرع.
أبدى البيشمركة في حرب داعش بطولة صارت محل مباركة شعوب وكبار زعماء العالم. وأصبحوا كما هم دائماً موضع اعتزاز لشعب كوردستان. وللحفاظ على هذا الفخر والتقدير والمحبة للبيشمركة، لا بد من توحيدهم.
صحيح أن القانون أناط مهمة القيادة العامة لقوات بيشمركة كوردستان برئاسة إقليم كوردستان، ولكن لتحقيق الإصلاحات وتوحيد البيشمركة، على الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني أن يقررا بقناعة وبدون تراجع كف يد الأحزاب عن البيشمركة. يجب أن ينتهي التدخل الحزبي في شؤون البيشمركة. بهذا يبدأ الإصلاح والتوحيد الحقيقيان للبيشمركة وينجح، وإلا فإنه مع كل الخلافات السياسية، سينتقض هذا الذي تحقق أيضاً.
ساهم عدم توحيد البيشمركة والقوات والمؤسسات الأمنية في أن يؤثر كل الخلافات السياسية في إقليم كوردستان، وبصورة مباشرة، على أمن ونفسية المواطنين والسوق والتجارة وكسب المواطنين قوتهم. وجعل الناس تتوقع انقسام إقليم كوردستان، بل وحتى اندلاع المعارك، لكن من دواعي الارتياح أنني استبعدت هذا كثيراً حتى في أوقات أشد الخلافات احتداماً.
لكن قلق أبناء كوردستان ومخاوفهم وتحسسهم، يجب أن يكون محل اهتمام من عندنا. ويجب أن يحثنا على الوفاء بالوعود التي أطلقتها أحزابنا لشعب كوردستان.
وقد أقسم كل منا أمام شعب كوردستان وأرواح شهدائنا، وتعهدنا بأن نجعل من البيشمركة قوة وطنية بعيدة عن الاستخدام والتدخل الحزبيين، وأن نحول دون تقسيم الأرض والشعب ومصالح شعبنا.
ولو أردنا احترام أرواح الشهداء، وأردنا أن نحترم نضال وتضحيات وبطولات البيشمركة الذين ضحوا بأنفسهم وسالت دماؤهم في سبيل حماية كوردستان ومكاسبها، ولو أردنا الحفاظ على حب البيشمركة في قلوب أبناء كوردستان، وأن لا نمس مكانة بطولات البيشمركة في نظر العالم، علينا أن ننهي وفي أسرع وقت التدخل الحزبي في شؤون البيشمركة. فهناك أهداف كثيرة مشروعة ومقدسة وعظيمة يمكن أن تنشغل بها الأحزاب في كوردستان والعراق وتعمل من أجلها وتمضي قدماً بمكاسب شعب كوردستان.
لا ينبغي أن يراود الشك الأحزابَ بخصوص كف يدها عن قوات البيشمركة، لأن حكومة ورئاسة إقليم كوردستان مؤسستان وطنيتان تحظيان بثقة أبناء كوردستان وأحزابها، وبرلمان كوردستان بصفته الجهاز الرقابي الأعلى يتولى مهمة الرقابة على قوات البيشمركة.
أحبتنا الحضور..
لماذا يجب أن نستعجل في إعادة تنظيم وتوحيد (مأسسة البيشمركة) بصورة موثوقة؟
إن حربنا الكبرى واسعة النطاق ضد داعش دفعت أفضل المستشارين العسكريين للبلدان إلى مساعدة الجيش العراقي وقوات البيشمركة. وهذه المساعدة لا تزال مستمرة وهي موضع تقدير وثناء وامتنان شعب كوردستان وحكومة ورئاسة إقليم كوردستان. وقد بدأ التحالف بمشروع جيد للغاية لتقديم المشورة والعون للبيشمركة من أجل إعادة تنظيم وتوحيد البيشمركة بصورة مبرمجة.
هذه فرصة، ولا ينبغي للأحزاب أن تفوّت هذه الفرصة على البيشمركة وعلى شعب كوردستان. التحالف يساعد البيشمركة، لكنه لا يخوض في المشاكل والمنافسة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني ضمن قوات البيشمركة.
وأدعو الحكومة الاتحادية العراقية أيضاً إلى دعم هذه العملية بجدية بالغة، لأنها مكسب وطني عراقي ولأن البيشمركة، وبفخر، جزء من المنظومة الدفاعية العراقية. ففي حرب داعش أثبت البيشمركة بدمائهم أنهم حماة كل شعب العراق وسند للجيش العراقي.
كذلك علينا أن نبدأ جادين بإشراك كل مكونات كوردستان في قوات البيشمركة. فمن الضروري جداً أن يشارك التركمان والآشوريون والكلدان والسريان والإيزديون وكل المكونات بنسب مشهودة في قوات البيشمركة. وهذا ليس غريباً عن تاريخ البيشمركة وقد سالت دماء مئات البيشمركة العرب والمسيحيين والإيزديين والتركمان خلال الملاحم التي سطرها البيشمركة بدمائهم.
أيها المواطنون الأحبة..
من أجل تقليل الخلافات السياسية وتأثيراتها على أوضاع كوردستان، فإننا بدافع واجبنا القانوني في رئاسة إقليم كوردستان، سعينا من أجل الحل وما زلنا نسعى. وقد تحاورنا باستمرار مع الأطراف كافة ونتحاور. وأقولها بسرور إن أرضيةً قد تشكّلت الآن لإبداء المرونة والتحاور وقد تراجعت الحملات الإعلامية بعض الشيء.
في الحقيقة، ليست عندنا خلافات كبيرة غير قابلة للحل، لكننا أحياناً نختلق موانع نفسية تحول دون الجلوس مع بعضنا البعض. هذه الحالة تظهر في مرات كثيرات بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهي حقاً موضع انزعاج كل أبناء كوردستان. في الماضي فعلنا هذا، والآن علينا أن نفعل هذا، وهو أن من الضروري عدم تحويل الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية ورئاسة إقليم كوردستان إلى ساحات للصراعات الحزبية.
يجب أن يكونوا دائماً بعيداً عن ذاك الصراع. عائدات كل إقليم كوردستان هي لكل موظفي وجميع شعب إقليم كوردستان. في نفس الوقت يجب أن تصدر قرارات الحكومة وكل مؤسسات إقليم كوردستان بالتفاهم وتنفذ في كل المناطق بنفس الشكل.
من دواعي الأسى أن الخلافات السياسية في إقليم كوردستان تتسبب في أحيان كثيرة في الشعور باليأس والتشاؤم عند أبناء كوردستان. هذا مؤلم للغاية، لكنني شخصياً متفائل دائماً، لأنني أثق كثيراً في وعي شعب كوردستان، وشعب كوردستان واعٍ والحمد لله. وشعور الشعب بالتضايق من الخلافات بين الأحزاب، دليل واضح على وعي شعب كوردستان.
أسمع مرات كثيرة من ضباط وقيادات البيشمركة أنهم يتعاملون مع المشاكل بروح وطنية عالية ويعرضون لها الحلول، ولهذا أزداد ثقة بأن البيشمركة بإمكانهم أن يظلوا دائماً موضع حب شعب كوردستان والعالم إذا تم تنظيمهم وتوحيدهم بشكل جيد، وعليهم أن ينأوا بأنفسهم تماماً عن الصراعات السياسية الداخلية في إقليم كوردستان. واجب البيشمركة هو حماية مكاسب إقليم كوردستان التي تحققت بدماء المئات والآلاف من الشهداء. البيشمركة، يجب أن يكون ملتزماً بالقسم الذي أداه، ويكون بعيداً عن الصراع السياسي في داخل إقليم كوردستان وبين الأحزاب.
السبب الذي يجعلني الآن مسروراً للغاية بتخرج هاتين الدورتين للبيشمركة، هو علمي بأن هؤلاء تدربوا بروح وطنية وبحسب العلوم العسكرية المتقدمة. وأود أن أكرر تهانيّ لكم جميعاً، ودمتم، وأرجو لكم جميعاً يوماً سعيداً.
عاشت كوردستان. عاش الكورد، وليزدهر البلد، ولكم النجاح.
شكراً جزيلاً..