Presidency of the Kurdistan Region of Iraq

الرئيس نيجيرفان بارزاني: يجب أن نراجع نظام التربية والتعليم

2021-09-19T12:35:04.000000Z
مقالات

شارك فخامة السيد نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، صباح اليوم الأحد 19 أيلول 2021، في المؤتمر التربوي للجامعة الأمريكية في كوردستان بدهوك، والذي حضره السيد مسرور بارزاني رئيس وزراء إقليم كوردستان والسادة الوزراء والمسؤولون والجهات المعنية بالمجال التربوي والتعليم العالي ويونيسيف والقناصل وممثلو الدول.

وحول مشاكل القطاع التربوي وسبل حلها، ألقى فخامة الرئيس نيجيرفان بارزاني كلمة هذا نصها:

طاب صباحكم، ومرحباً بكم جميعاً...

دولة رئيس الوزراء، رئيس الجامعة، أيها الحضور الكريم، مرحباً بكم جميعاً. أعتقد أنه منذ فترة، منذ أكثر من عام وربما أكثر، بحثنا مع رئيس الجامعة موضوع التربية هذا، وما هي الأمور المهمة التي يجب أن نفعلها والإصلاحات والأمور الواجب بحثها ودراستها في مجال التربية. يسرني أنا أرى هنا بين المشاركين من عمل في السابق بجد على هذا الموضوع متواجدين هنا، ولا شك أنهم سيغنون هذا المؤتمر.

أود أن أخبركم شيئاً عن نفسي، كان يهمني الحضور في هذا المؤتمر لدرجة أني عندما كنت مسافراً، كان شغلي الشاغل كيف أستطيع اللحاق بالمؤتمر في حينه، أي أني فعلت كل شيء بدون أن أدخل في التفاصيل، فقط لأشارك في هذا المؤتمر، ويسعدني حقاً أني أشارك اليوم في المؤتمر. فأهلاً بكم جميعاً.

يجمعنا هذا المؤتمر حول موضوع مهم جداً وضروري لحاضر ومستقبل أجيالنا. التربية هي العماد الرئيس لكل مجتمع متقدم. النظام التربوي الصحيح يضمن حاضر أجيالنا ومستقبلهم المشرق.

نظام التربية والتعليم في إقليم كوردستان، بدءاً برياض الأطفال ووصولاً إلى المراحل الٲبتدائیة والإعدادية والتعليم العالي، بحاجة إلى مراجعة جادة وجذرية. بحاجة إلى تصحيح وإصلاح، بطريقة تتفق مع المقاييس العلمية والمعايير العالمية للتربية والتعليم في يومنا هذا، يستطيع بفضلها أن يتلاءم ويتماشى مع التطور السريع الذي يتحقق كل يوم في جميع مجالات الحياة.

العلم والتكنولوجيا يتقدمان بسرعة، إن لم ندرك أنفسنا ونسعى لمواكبتهما، سنتخلف. بل سنتخلف بشكل سيء! التقدم العلمي والتكنولوجي، تصاحبه مفاهيم وقيم وفهم جديد، ويخلق أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة.

التقدم والتطور سريعان، لدرجة أنه بات واضحاً جداً أننا لم نعد نستطيع ولا يمكن أن نتمسك بالأساليب والطرق التربوية والتعليمية القديمة ونستمر معها. كلما سارعنا إلى تدارك أمورنا، وباشرنا الإصلاح والتصحيح في قطاع ونظام التربية، كلما بلغنا بصورة أسرع ركب المجتمعات المتقدمة في العالم، وكلما تبوأنا مكاناً ومكانة أفضل في المستقبل القريب والبعيد لبلدنا.

أيها السادة...

يمكن أن تصبح مبادرة كمؤتمرنا اليوم في دهوك، خطوة مهمة وراسخة وحاسمة، إن قمنا معاً وبجرأة بتفعيل فكرنا وخيالنا من أجل تشخيص مشاكلنا في هذا القطاع. إن تشخيص مشاكل التربية والتعليم والتعليم العالي، يجب أن يكون ضمن إطار التغيير الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي، الأمني والتكنولوجي الحديث.

ربما لن تؤدي مهن وخبرات عشرين أو ثلاثين سنة من الآن، نفس الدور في حياة الكثير منا! وهذه عملية طبيعية في التغيير الاجتماعي. عملية تقييم ومراجعة وتحديد نواقصنا، تعني ثقتنا بأنفسنا. تعني أن نكون صادقين مع أنفسنا كحكومة وكوزارة مسؤولة ومعنية، وكشعب وأفراد في هذا الوطن.

ها نحن نرى الدول المتقدمة ذات التكنولوجيا الأحدث ورؤوس الأموال الخیالیة، تأتي بالخبراء والمتخصصين من بلاد كثيرة بعيدة، أو تتجه بأنفسها إلى بلاد خارجية.

لماذا؟!

لماذا نجد أهل الهند، الصين وكوريا الجنوبية مثلاً، ناجحين في كل مجالات الحياة في بلدهم وفي أوروبا وأمريكا، ومتفوقين في التكنولوجيا، العلوم، التجارة، الرأسمال، الإبداع، التجميل والبحث عن الجمال؟

إن دولة كالهند مثلاً، رغم تاريخ طويل من الهجمات الخارجية والانقسام والعوز والفقر وكثرة عدد السكان، وبعد سنوات من التجارب والبحوث والتقييم المتواصل، تمكنت من اتخاذ خطوات كبيرة للغاية. فأصبح من النادر الآن أن تجد شركة عالمية تخلو من خبراء ومتخصصين من الهند!

العامل الرئيس وبداية هذا النجاح، تمثل في التغيير الأساس والعصري للنظام التربوي في مستوياته ومراحله كافة. حكومة الهند ومن خلال التعاون الدولي والكادر المحلي والتنسيق مع الجهات والمستويات اللازمة، حوّلت عملية التصحيح والإصلاح إلى سمة لانبعاث قدرات بلادهم من جديد.

نفس العملية تكررت في كوريا الجنوبية، سنغافورة، الصين، فنلندا، المملكة الأردنية، رواندا والعديد من الدول الأخرى. التعلم من الآخر وتبادل الأفكار والبرامج والخبرات، أمور أصبحت الآن أيسر مما كانت عليه في الماضي. التكنولوجيا الحديثة سهّلت الكثير من مناحي الحياة والتعاون بين الشعوب والبلدان.

فما الذي نستطيع أن نتعلمه من هذه التجارب؟!

كيف نفيد منها؟

كيف نسخرها لخدمة التصحيح والإصلاح في المجال التربوي بكوردستان؟

يمكن أن تبدأ الخطوة الرئيسة والمهمة بعدد من الاجتماعات والمؤتمرات المماثلة لمؤتمرنا اليوم.

علينا أن نمحص قراراتنا القديمة والجديدة بجرأة وبدون خوف وبصراحة، وأن نضعها تحت ضوء البحث الأكاديمي والعلمي، ليعيننا على فهم ومعرفة أين هي مواطن فشلنا؟ وأين هي مواطن نجاحنا؟

هذا النوع من التفكير يستدعي تربية حديثة. لهذا فإن التصحيح والإصلاح في مجال التربية والتعليم وعلى كل المستويات، سيضمن لنا نتائج صحيحة وصائبة.

علينا أن نعمل بكل ما أوتينا من قدرات على رسم خارطة البنية التحتية لمستقبل شعبنا ووطننا اليوم وفي الغد. معلوم أن علينا أسوة بكل مجتمع متقدم في هذا العصر، أن نركز على العلوم، التكنولوجيا، الهندسة والرياضيات. وأنتم أعلم مني بأنّ أركان هذا المربع إذا اجتمعت معاً ستحل المشاكل اليومية لأغلب الأفراد والمجتمعات والحكومات.

الآن، تجاوز العلم الكثير من الحدود. بدءاً بتحليل نقطة دم وحتى زيارة القمر، لا يحصل اعتماداً على معرفة فردٍ لوحده أو دولة لوحدها. وكل شخص، كل أمة، كل حكومة، تخصص الوقت والموارد الفكرية والمالية، تستطيع المشاركة في تنمية واستخدام العلم لخدمة الإنسانية.

أسلوب ونهج استخدام هذا الرباعي، يوفران فرص العمل للأشخاص القديرين. ينعش اقتصاد بلدنا. يعزز علاقاتنا العلمية والاقتصادية والتجارية مع العالم الخارجي. الصناعة لن تغرس جذورها بسهولة في أي بلد بدونه. المهنة، لا يشترط أن تكون عملاً أكاديمياً فقط. الصناعة والزراعة والتجارة، بحاجة إلى عمال وخبراء في كل المجالات.

علينا أن نفكر بطريقة، لا نخشى معها خطط عشرين سنة وثلاثين! علينا أن نُقْدم بجرأة وبمساندة مستمرة، على التخلي عن قصصنا القديمة، ونتخذ خطوات جديدة باتجاه مستقبل شعبنا ووطننا في مشروع تربوي جديد. لنجعل من كوردستان مساهماً جريئاً في مجالات التربية والعلوم، التكنولوجيا، الهندسة والرياضيات.

نحن نريد نظام تربية وتعليم، يشكّل إلى جانب التعليم العالي حزمة واحدة وأن تكون العملية التربوية والتعليمية من رياض الأطفال إلى إكمال الجامعة، مكملةً بعضها البعض. أن تنتج خريجاً، يكون شخصاً واثقاً من نفسه، ذا شخصية، مفكراً، ناقداً، قيادياً، مقرراً، مبادراً ومبدعاً.

يكون مؤمناً بتبادل الآراء والحوار والتفاهم، ويطبق كل هذا عملياً في حياته وتعاملاته اليومية.

أيها الحضور الكرام..

إن نية وإرادة إجراء مراجعة لقطاع التربية والتعليم وتحسينه في إقليم كوردستان، ليست بالجديدة. ويجب العمل عليها الآن ومستقبلاً بجد، وأن يكون حسب الإمكانات المتاحة واحداً من أولوياتنا وأسبقيات عملنا في حكومة الإقليم.

وفي سبيل هذا، اتخذت من قبل خطوات عديدة، مثل مؤتمر العام 2007 الذي أحدث تغييراً في مجمل النظام التربوي، وإعداد مشروع قانون للتربية من جانب حكومة إقليم كوردستان، ضم فلسفة التربية وكل مجالات عملية التعليم وشؤون المعلمين والطلبة، لكن لم يعمل عليه البرلمان في حينه! وقد قامت حكومة الإقليم الآن بتحديثه ليقدم للبرلمان في خطوة جيدة وضرورية هي محل تقدير وتستحق المباركة.

يجب إيلاء المزيد من الاهتمام بالبنية التحتية التربوية، كبناء وتوفير المباني والمختبرات، لتستطيع استيعاب التلاميذ الجدد الذين يزيد عددهم في كل سنة على مائة ألف.

صحيح أن المناهج الدراسية في إقليم كوردستان موافقة للمعايير الدولية من الناحية العلمية، لكنها مع ذلك بحاجة إلى التحديث والتجديد سنوياً. ويجب إيلاء المزيد من الاهتمام باللغة الانكليزية ولغات العالم الحية بصفتها من متطلبات العصر، إلى جانب الاهتمام المتواصل باللغة والأدب الكوردي الجميل ولغات وآداب مكونات كوردستان الأخرى.

أيها السادة...

المعلم هو أهم أعمدة نجاح العملية التعليمية، لذا وإلى جانب الاهتمام بحياة ومعاش المعلمين، يجب تدريبهم باستمرار وتنمية تخصصاتهم وقدراتهم من حيث التدريس ومن النواحي العلمية والاجتماعية والنفسية، والاستفادة في هذا الجانب من الأطراف والمؤسسات الدولية ومن تجارب الدول المتقدمة. كذلك، يجب إيلاء اهتمام خاص بالإشراف التربوي الذي يعد واحداً من الأعمدة الهامة لنوعية التعليم والعلوم والإدارة التربوية.

هناك نقطة أخرى مهمة جداً وضرورية، وهي ربط سوق العمل والاقتصاد بالتربية والتعليم. فمن المؤسف أن التعليم المهني ضعيف في إقليم كوردستان ولا تتجاوز نسبته (خمسة في المائة)! لهذا نجد أكبر عدد من العمالة الأجنبية في كل الأماكن كالفنادق، المطاعم، المعامل وأعمال البناء وأغلب مجالات الحرف اليدوية. في حين نجد التعليم المهني في أكثر دول العالم تقدماً والتي تنعم بإقتصاديات قوية، في مستوى عالٍ جداً.

لغرض إعداد اليد العاملة المهنية في كل المجالات، نحن بحاجة إلى المزيد من الاهتمام وإلى أعداد كبيرة من المدارس والإعداديات والمعاهد المهنية. هذا ضروري جداً لحاضر ومستقبل إقليم كوردستان، ويجب توجيه عملية التعليم والتربية بصورة تؤمّن احتياجات البلد في مجالات الإعمار والبناء وسوق العمل في القطاعين العام والخاص.

لا يجوز أن يكون الهدف من التعليم هو فقط الحصول على شهادة جامعية أو دراسات عليا! يجب أن يعود التعليم والشهادة بفائدة على بناء وإعمار وتطوير البلد، ويستطيع حامل الشهادة أن يعمل بها، لا أن نضطر لاستقدام الناس من خارج الإقليم لكل صغيرة وكبيرة! فهذا الأسلوب فاشل تماماً وقد آن الأوان لنعمل في إقليم كوردستان بجد من أجل نبذه والتخلص منه!

وفي هذا الإطار، يجب أن يكون هناك تقييم ومراجعة بصورة علمية للتعليم العالي والدراسة والجامعات الأهلية، وإيلاء اهتمام أكبر بالبحث العلمي.

أيها السادة...

عندما نتحدث عن تطوير التربية واللحاق بركب تقدم الشعوب، فإننا لا نقصد بذلك فقط التقدم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والطب والهندسة! كلا، فإلى جانب هذا، يجب أن يكون بناء الإنسان من أعمدتنا التربوية المهمة، أن نبني الإنسان.

صحيح أن إنساناً مسلحاً بالعلم ضروري جداً جداً، لكننا في نفس الوقت نريد إنساناً مشبعاً بالوعي، فاهماً ناضجاً من النواحي الثقافية والروحية والفكرية والفلسفية، أن يكون من أهل الكتب والمطالعة، والتمعن والتفكير والفهم للمعاني والقيم والمفاهيم الروحية والعرفانية والإنسانية.

في الشرق عموماً، وفي كوردستان، هناك رأسمال وثروة غنية من تلك المفاهيم والعوالم الروحية في الشعر والأدب والقصة والماجريات القديمة والحديثة خاصتنا وتلك التي لشعوب المنطقة. يجب أن نفيد من هذا الثراء في عملية التربية الروحية وبناء الإنسان.

ٳن حضرة الخاني والجزيري، نالي ومحوي، مولانا، الخيام وشمس التبريزي وعشرات الأسماء الأخرى اللامعة، خلفوا لنا ثروة عظيمة في هذا العالم الروحي والأدبي والفلسفي والعرفاني، يمكن أن نروي بها الروح.

رجائي بالنجاح ونتائج وتوصيات بناءة وعملية لمؤتمركم، تكون عاملاً لتطوير التربية في إقليم كوردستان من كافة النواحي. أسعدتني المشاركة في هذا المؤتمر وأرى أن هذه مبادرة غاية في الأهمية تبادرها الجامعة الأمريكية في دهوك، ولا شك أن دولة رئيس الوزراء، ودعوني أخبركم أنه كان في حينه واحداً من أكثر الطلبة تفوقاً في المدرسة، يستطيع هو أيضاً ولديه الرؤية والمنظور ليساعدكم. وبتعاونكم جميعاً، سنتمكن إن شاء الله من النجاح في هذه العملية، فهذا هو مفتاح نجاح كوردستان، ولندع الأمور الأخرى جانباً، فإن العمل على هذا الموضوع الذي من دواعي السرور أن دولة رئيس الوزراء والكابينة الجديدة لحكومة الإقليم يريدون أن يضعوه في مقدمة أولويات الحكومة، وسينجحون بإذن الله وبهمتكم وتعاونكم جميعاً.

شكراً جزيلاً.