
شارك فخامة السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، مساء اليوم (الاثنين، ٢٦ أيار ٢٠٢٥) في المؤتمر السنوي للجامعة الكاثوليكية في أربيل.
وخلال المراسم التي حضرها العديد من رجال الدين المسلمين والمسيحيين، والأكاديميون، إلى جانب ضيوف من داخل وخارج العراق وإقليم كوردستان، ألقى الرئيس نيجيرفان بارزاني كلمة هذا نصها:
مساء الخير
قداسة البطريرك مار آوا
الحضور الكرام،
الضيوف الأعزاء
السادة رجال الدين
أهلاً وسهلاً بكم جميعاً
سعيد بأن نكون جميعاً هنا اليوم للمشاركة في مراسم افتتاح المؤتمر السنوي الثاني للجامعة الكاثوليكية في أربيل، حول "إدارة الأوقاف والأموال الكنسية". إن مشاركتي وحضوري اليوم بينكم هنا، تعبير عن التزامنا الراسخ بدعم جميع المكوّنات في إقليم كوردستان، وبشكل خاص مواطنينا المسيحيين الذين هم جزء أصيل ورئيس من نسيجنا الاجتماعي وتاريخنا المشترك في كوردستان.
الحضور الكرام،
كوردستان وطننا جميعاً. فسماؤها تظلنا جميعاً وأرضها تحتضن الكل بدون تمييز. لها حقوق علينا جميعاً ولنا كلنا حقوقنا فيها. علينا أن نحميها وندافع عنها. إن هذه الأرض عُرفت منذ آلاف السنين بأنها الجامع لكل المكونات الدينية والقومية، وبالقبول المتبادل، والتعايش السلمي بين مكوناتها. جميعنا شركاء في بناء وحماية وتقدم هذا الجزء منها، وفي تحمل الواجبات والمسؤوليات تجاهه.
إن حماية المكونات والدفاع عن حقوقها ليست مجرد شعارات نرفعها، بل هي مفهوم ومبدأ راسخ لإيماننا بأن علينا أن نعيش معاً. فمنذ تأسيس برلمان وحكومة إقليم كوردستان، شدّدنا على مشاركة وتمثيل المكوّنات في المجال السياسي والإداري.
أثبتت كوردستان هذا عبر السنين والعصور، وكان هذا مصدر قوة لكوردستان. التعددية ووجود المكونات الدينية والقومية، أصبحت مصدر قوة وثراء واستقرار لكوردستان. لذا فإننا سنظل دوماً أوفياء ومخلصين لهذه الثقافة الأصيلة.
عندما اجتاح العنف، للأسف، مناطق عدة من العراق بعد 2003، ومع اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لمناطق سنجار والموصل وسهل نينوى، تعرّض المكوّن المسيحي، شأنه شأن الإيزديين وجميع المكونات الأخرى، لمعاناة كبيرة ولظروف قاسية وأليمة للغاية.
في تلك اللحظات الحرجة، أثبت إقليم كوردستان، قيادةً وشعباً، من منطلق الواجب والمسؤولية، أنه الملاذ الآمن لكل من يبحث عن الحرية والكرامة والإنسانية. فأصبحت كوردستان الديار والوطن الثاني لكل من تعرض للخطر بسبب دينه أو قوميته. أصبحت أرضاً للأمل والاستمرار. من هنا، فإننا اليوم نقف جنباً إلى جنب ونواصل العمل معاً من أجل بناء مستقبل يحترم التعددية ويحفظ حقوق الجميع.
الحضور الكرام،
إن موضوع إدارة الأوقاف والأموال الكنسية الذي يتناوله هذا المؤتمر يحظى بأهمية بالغة. فالأوقاف المسيحية ليست مجرد ممتلكات، بل هي جزء من إرث حضاري وثقافي وروحي مهم وثمين في هذه المنطقة، وهي أيضاً ضمان لاستمرار وجود المسيحيين ودورهم الحي في المجتمع الكوردستاني والعراقي.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، فإننا نؤكد دعمنا الكامل للإسراع في إصدار قانون خاص بالأوقاف المسيحية، بما ينسجم مع روح الدستور العراقي، ويضمن حماية هذه الممتلكات من أي تجاوز أو انتهاك. إن هذا القانون سيكون رسالة واضحة تؤكد أن ممتلكات المسيحيين في كوردستان والعراق محمية، وأن مشاركتهم الوطنية مصانة بإرادة سياسية ثابتة وضمانات قانونية ودستورية.
إننا، من خلال حماية هذا الإرث، سواء كان أرضاً أو ملكاً أو ثروات، نطمئن المسيحيين على مستقبلهم، ونوجه لهم رسالة ثقة بأن تراث أجدادهم مصون في هذا البلد.
وستكون حماية هذه الأوقاف سنداً لاستمرار الوجود المسيحي، من خلال تأمين العائدات اللازمة لتغطية نفقات النشاطات الكنسية، ومعيشة العاملين فيها، ومساعدة الفقراء والمعدمين.
إضافة إلى ذلك، سترسخ حقوق القائمين على إدارة الأوقاف وصلاحياتهم لتمكينهم من تطوير الأوقاف وتنميتها، وتمنح حق تملّك وإدارة الأوقاف للكنيسة.
كل هذه الأمور مهمة، لأن بقاء المسيحيين في وطنهم وديارهم، بعد قرن من التحولات السياسية والاضطهاد والآلام والمعاناة، مرتبط بتقديم ضمانات حقيقية لمستقبل آمن لهم.
من هنا، أجد من الضروري والمهم جداً العودة إلى موضوع "قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين" الذي كان محور مؤتمركم للعام الماضي. علينا أن نقف عند هذا الموضوع بجدية بالغة، لما له من أهمية وحساسية قصوى. أشكر جهودكم ومثابرتكم في هذا المجال.
وأدعو رجال الدين والسادة رؤساء الكنائس في كوردستان والعراق إلى مواصلة العمل، بروحية موحدة، ويواصلوا إنجاز صياغة هذا القانون المهم الذي هو حاجة ملحة للمسيحيين في العراق ويحترم خصوصية المسيحيين ويحفظ حقوقهم.
السادة الكرام،
أود أن أؤكد مجدداً أن المسيحيين والمكونات الدينية والقومية الأخرى، ليسوا ضيوفاً في كوردستان، بل هم أصحاب الأرض، وشركاء وجزء أصيل وأساس من هذه الأرض وهذا الوطن. ونطمئن الجميع بأن كوردستان التي احتضنت الجميع على مدار التاريخ، ستبقى دوماً أرضاً للتعددية والتسامح والحرية.
إن حماية التنوع والحقوق لا تتحقق بالنوايا الحسنة وحدها، بل عبر أطر قانونية واضحة، ومؤسسات فاعلة، وتعاون وثيق بين جميع مكونات المجتمع. وآمل أن تُسهم مخرجات هذا المؤتمر في تحقيق هذه الأهداف السامية، وتدعم تحسين واقع المسيحيين من النواحي كافة.
الشكر والتقدير للجامعة الكاثوليكية في أربيل ولرئاسة الجامعة، ولنيافة المطران بشار متّى وردة، ولجميع السادة المشاركين في تنظيم هذا المؤتمر.
معاً، سنواصل تطوير كوردستان التسامح والتعايش السلمي، ونشارك في بناء عراق تسوده العدالة والتعددية وتصان فيه حياة وكرامة وحقوق جميع المكونات، في كل مكان من هذا البلد.
شكراً جزيلاً، وأرجو أمسية طيبة للجميع





