شارك فخامة نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، قبل ظهر اليوم الأربعاء، 20 تشرين الثاني 2019، في مؤتمر "ملتقى الأمن والسلم في الشرق الأوسط" المنعقد في الجامعة الأمريكية في كوردستان – دهوك.
وألقى الرئيس نيجيرفان بارزاني كلمة حول الوضع السياسي والأمني في العراق والمنطقة، قدم خلالها قراءة لأوضاع وأحداث المنطقة، وعرّف بغداد بأنها البعد والعمق الستراتيجي لإقليم كوردستان، مشيراً إلى أن ستراتيجية إقليم كوردستان تكمن في مدّ الاستقرار والإعمار ليشمل كل العراق والمنطقة، وأكد على ضرورة العودة إلى طاولة الحوار من أجل التفاهم والاتفاق والحل السلمي للمشاكل بحيث تكون المكاسب والحقوق الدستورية لإقليم كوردستان محفوظة في إطار سيادة الدولة العراقية.
كما رأى الرئيس نيجيرفان بارزاني ضرورة تعاون ومساعدة دول العالم والمجتمع الدولي من أجل ترسيخ الأمان والاستقرار في العراق والشرق الأوسط وإنهاء الحروب والتوترات والمشاكل والأزمات فيهما.
كما أكد سيادته استمرار مساعي إقليم كوردستان للبقاء كملاذ آمن لإيواء الهاربين من الحروب والأزمات، وعدّ الموقف الموحد لإقليم كوردستان في هذا المجال موضع اهتمام وتقدير.
وفيما يأتي نص كلمة الرئيس نيجيرفان بارزاني:
أيها الحضور الكرام، أسعدتم صباحاً..
نرحب بكم جميعاً ونشد على أيادي الجامعة الامريكية في كوردستان لاقامة هذا المؤتمر "الامن والسلم في الشرق الأوسط"، لقد أنجزوا عملاً جيداً. كما أشد على أيدي كل الأشخاص الذي شاركوا بأي صورة من الصور في تنظيم هذا المؤتمر في دهوك. أرحب بالضيوف الكرام القادمين من أمريكا وأوروبا وغيرها من الأماكن إلى إقليم كوردستان، إلى دهوك، فأهلاً بهم. كما أرحب بأخي العزيز السيد فالح الفياض الذي شرفنا صباح اليوم قادماً من بغداد للمشاركة في هذا المؤتمر. مرحباً بكم جميعاً.
إن الأمن والسلام في الشرق الأوسط موضوع مهم للغاية للمنطقة والعالم. آمل لمؤتمركم النجاح والنتائج الجيدة.
صراعات الشرق الأوسط، لم تؤد فقط إلى تأزيم الامن والعلاقات بين بلدان المنطقة، بل عرضت السلم العالمي ومصالح الدول العالمية الكبرى أيضاً إلى التهديد، ما يجري في المنطقة هو نتاج خطأ قديم والخارطة الجيوسياسية لما بعد الحرب العالمية الاولى، التي خلّفت مجموعة من المشاكل السياسية في المنطقة من دون حل، ومنها القضية الكوردية.
القضية الكوردية مشكلة كبيرة وحلها جزء مهم من السلم في المنطقة. كذلك برزت مشاكل بعض المكونات الأخرى في المنطقة بعد الحرب. عدا ذلك، فان عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط هو نتيجة لمجموعة من العوامل التي طفت إلى السطح في السنوات الاخيرة، وغدت سبباً للمزيد من المشاكل، منها:
- اختلال التوازن في المنطقة. بعد الربيع العربي وسقوط النظام العراقي السابق، تراجع الدور الاقليمي لبعض الدول في المنطقة. فبدأت هذه الدول تتنافس لتكون القوة الاولى وتتولى زعامة المنطقة. أدى كل ذلك إلى نشوب حروب بالوكالة وصراعات مناطقية، وتهيأت الارضية للتدخلات العسكرية الدولية. ما أدى إلى تأجيج الحروب وتقليل فرص الوساطة، لأن القوى الدولية وبدل ان تلعب دور الوساطة، اصبحت جزءاً من المعركة، ما قلّص آليات الحلول السلمية إلى حد كبير جداً.
- الصراعات المذهبية وغياب ثقافة التسامح والتعايش عامل آخر. هذا الخطر الذي سببه التعصب المذهبي والعقلية الانتقامية البالية، تم استغلاله عمداً وتشجيعه ليصبح أرضية ملائمة لتأجيج الحروب والصراعات الاقليمية في سبيل السلطة.
- الإرهاب، تهديد رئيس للسلم والأمن في المنطقة والعالم، وآلية مواجهة الإرهاب أيضاً تخلق المشاكل. عدم وجود ستراتيجية تقوم على أساس الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والتربوية والاجتماعية والثقافية لمواجهة الإرهاب، الاعتماد الرئيس على السبل العسكرية لتجفيف مصادر الإرهاب، هو بحد ذاته مشكلة، وهو أيضاً يعمل على إعادة انتاج فكر الإرهاب والتشدد في المنطقة.
- الضعف، والفشل السياسي والاقتصادي للعديد من الانظمة الحاكمة في المنطقة. عدم وجود او فشل السياسة التنموية وعدم وجود العدالة الاجتماعية، أسباب أدت إلى ان يصبح اليأس وعدم وجود المستقبل واللاجدوى والغضب، الشعور السائد لدى شعوب المنطقة وبالاخص شريحة الشبيبة.
هذا الشعور الخطير هو الذي غدا مصدراً لعدم الرضا وأرضية دائمة الاستعداد للتمرد والانتفاضة وكذلك لبروز الفكر المتشدد. الضريبة الثقيلة للسياسات الخاطئة لهذه البلدان كانت عبئا ثقيلاً على حياة ومعيشة شعوبها وهذه أيضاً احدى العوامل الرئيسة للغضب والامتعاظ الشعبيين.
حتى في البلدان التي تنتهج نظاما يتجه نحو الديمقراطية، للاسف فانه وباسم الديمقراطية تم ابراز نموذج ادى إلى قتل رغبة الناس في العملية الديمقراطية والتصويت في الانتخابات ومجمل العملية السياسية. على سبيل المثال، في العراق حلّ تعدد مراكز السلطة محل التعددية السياسية، وبدل ان تكون السلطة العليا للدستور والقانون، جرى ترسيخ واعلاء سلطة الاحزاب والجماعات المسلحة، ونتيجتها هي التي نراها اليوم.
أيها الحضور الكرام..
الحرب ضد داعش، شكلت تحالفاً دولياً قوياً وأدّت إلى تقليص الكثير من المشاكل والصراعات في المنطقة إلى حد ما، بيد ان القراءة الخاطئة للمؤشرات واقناع الذات سلفاً بان داعش قد انتهى، أدت إلى تراخي التحالف الدولي وسخنت المشاكل مرة اخرى، غير ان خطر داعش لم ينته في الحقيقة، ليس من الناحية الفكرية والثقافية فحسب، بل من الناحية العسكرية أيضاً ومازال لغاية الآن يشكل خطراً جدياً على المنطقة وعلى العالم.
المشكلة الرئيسة هي ان الكل يريد ان ينهي الحروب عن طريق الانتصارات العسكرية والميدانية، وليس عن طريق التفاهمات والمفاوضات السياسية. لذا، لا تزال فرص التفاوض لحل هذه المشكلة ضعيفة جداً.
طول استمرار الحروب والمشاكل، عدم وجود الامن والسلم والاستقرار السياسي، واهدار النفوس والاموال للبلدان في الحروب والمشاكل، عدا عن اضرارها الحالية، تعد اكبر المخاطر على المستقبل، وستصبح سببا لانتقال المشاكل والازمات والصراعات للاجيال القادمة. علينا أن لا ننسى ان المنطقة امام تهديد آخر وهو الجفاف ومشكلة انخفاض مناسيب المياه والتصحر، وهذا قد يجلب معه العديد من الازمات الأخرى على المنطقة.
كوردستان ليس بمنأى عن الوضع السيء للعراق والمنطقة، عليه أن يعمل بحذر من اجل تدبير اموره باطمئنان في ظل البيئة السيئة والمعقدة. لذلك بذلنا جهودا وسنستمر في ان تكون لنا ستراتيجيتنا للتعامل مع هذه المشاكل. ستراتيجيتنا هي ادامة استقرار واعمار اقليم كوردستان ليمتدا إلى العراق والمنطقة.
أيها السادة...
إننا نرى أن الطريق الوحيد لحل المشاكل هو الحوار والإجراءات السياسية، وعلى الذين يعادون ويقاتلون بعضهم بعضا، أن يجلسوا معا للتوصل إلى حل. أما الإنكار والقهر والظلم، فلن ينهوا مشكلة أي شعب، ولن يثنوا الشعب عن مطالبه. الحروب والمواجهات العسكرية لا تنهي أية مشكلة. فمهما طال بها الأمد، يجب في الأخير العودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى تفاهم واتفاق.
أهدرت الحرب والتسلح ميزانيات وأموالا كثيرة لبلاد الشرق الأوسط. تلك الأموال لو أنفقت بروحية السلم والتعايش، لجعلت من الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم تطورا، والآن فإن أمام دول وشعوب المنطقة هذا الطريق فقط لبلوغ الرفاهية وبناء الحياة والسلم في المنطقة.
لا ينبغي زج شعوب ومكونات المنطقة في الحروب. فذلك يزيد المشاكل تعقيدا. إننا في إقليم كوردستان حاولنا كثيرا ولطالما دفعنا الضريبة لكي لا نكون طرفا في أية حرب. حاولنا البقاء كملاذ آمن وأن نتمكن من إيواء الذين يفرون من الحروب والأزمات. من المهم جدا أن نكون جميعنا في إقليم كوردستان متفقين على هذه الستراتيجية بخطاباتنا ومواقفنا. كما ينبغي أن أقول: إن وحدة الموقف القائمة الآن في إقليم كوردستان بهذا الخصوص، هي موضع اهتمام وتقدير كبيرين ..
المنطقة وشعوبها ومكوناتها أنهكتها الحروب والأزمات كثيرا، ولم تعد تحتمل المزيد من الحروب والخلافات. إن تحقيق التفاهم والحلول السياسية للمنطقة يصب في مصلحة كل العالم.
إن حرب داعش لم تنته ومازالت هناك حاجة لتكاتف وتحالف الجميع. يجب أن يكون القضاء على هذا العدو الشرس، ولفترة طويلة، الهدف المشترك لجميع الأطراف ونواة لاستمرار تحالف عالمي وإقليمي لمواجهة الإرهاب.
إن تحديث نظم وآليات وسياسات الحكم والاقتصاد والمجتمعية في هذه المنطقة ضرورة ذات أولوية قصوى. يجب انتهاج إصلاحات ومراجعة متعددة الجوانب، جدية وحقيقية وعصرية، كستراتيجية. كما يجب على حكام المنطقة أن يتجهوا صوب الأساليب والسياسات النابعة عن فهم حقيقي وواقعي ويستجيبوا للمطالب والتطلعات والاحتياجات المشروعة لشعوبهم.
أيها السادة..
فيما يتعلق بالعراق ومشاكله، من المؤسف أننا توقعنا منذ زمن بعيد نتيجة من هذا النوع. فعندما أديرت الظهور للدستور، ارتفع أول صوت محذر ودق ناقوس الخطر من كوردستان. قلنا إن استمرت الأمور على هذه الوتيرة وانتهك الدستور والمبادئ التي بني عليها العراق الجديد، فإن العراق سيمضي نحو الهاوية، ونقول الآن: إن ما يجري هو نتيجة تراكمات خمس عشرة سنة من الأخطاء السياسية والاقتصادية وإهمال الدستور.
الحل هو أن ينظر إلى المشاكل والعقد بحجمها الحقيقي. أن تجري لها قراءة صحيحة وواقعية. أن لا يجري الاستخفاف بالاحتجاجات ويتم إدراك مخاطرها. علينا أن لا نظن أنها عابرة وستعمل مجموعة إجراءات ثانوية على إخمادها. إن فهم المشاكل والأزمات وإرادة ورؤى ومطالب الجيل الجديد في العراق والمنطقة، بحاجة إلى إعادة تعريف جديدة لمفهوم الحقوق والحريات.
لإيصال هذه الرسالة ذهبنا إلى بغداد، واجتمعنا مع الجميع. أبدينا استعداد إقليم كوردستان لتقديم أية مساعدة لازمة لإعادة الاستقرار والأمان إلى العراق. إننا نعتقد أن هذا الاستقرار هو في صالح شعب كوردستان وفي صالح العراق. إن بغداد هي البعد والعمق الستراتيجي لإقليم كوردستان، وبالنسبة إلينا يجب أن تكون مكاسبنا وحقوقنا الدستورية محفوظة في إطار سيادة الدولة العراقية، وأن نعمل على تنميتها في هذا الإطار..
إن شعوب ومكونات العراق تستحق ويجب أن تكون في أوضاع وأحوال وحياة أفضل. يجب على المراكز السياسية في العراق أن تحمل رسالة المواطنين على محمل الجد وتكون عندها أجوبة مقنعة. من أجل هذا كنا في بغداد، وشجعنا كل الأطراف على التفكير معا في حل جاد وحقيقي وجذري. حل يكون بحجم ضخامة استياء وغضب الشعب، وهذه مسؤوليتنا جميعا ولا أحد في العراق يستطيع التهرب منها ..
يجب أن يلعب العالم والمجتمع الدولي دور المساعد للعراق في إرساء الأمان والاستقرار في العراق وفي الشرق الأوسط، وفي إنهاء الحروب والأزمات والمشاكل والتوترات. لقد أثبت الماضي أن شرق أوسط حافل بالمشاكل والأزمات هو مصدر قلق وتهديد أمني للعالم. لذا فإن هذا ليس واجبنا نحن لوحدنا بل هو واجب دولي أيضاً.
ونحن في إقليم كوردستان، وكما هو دأبنا مستعدون لكل ما يقع على عاتقنا من أجل تحقيق السلام والأمان والاستقرار. من هنا، فإننا نطمئن رفاقنا وأخواننا في العراق إلى أن إقليم كوردستان مستعد لبذل كل ما في استطاعته من أجل تحقيق الاستقرار والسلام في العراق، وهو يعد مشاكل العراق مشاكله ومستعد لمساعدة العراق على الخروج من وضعه الحالي.
مرة أخرى، أهلا بكم جميعا، وشكرا للجامعة الأمريكية في كوردستان ولمنظمي هذا المؤتمر. أرجو لكم النجاح ويوما سعيدا.
شكراً جزيلاً...